|
باب مقالات
نوروز… عيد الربيع ورمز التجدّد والتعايش في العراق
خاص بمبادرة حملة ثقافة المحبة والسلام
بالتعاون بين دار الكتب والوثائق ومجلة سماء الأمير الإلكترونية
الرقمية
نوروز، عيد الربيع واحتفال بداية السنة الجديدة، ليس مجرد مناسبة
موسمية في العراق، بل هو رمز للتجدّد والمحبة والتعايش بين مختلف
مكونات المجتمع العراقي. يعود أصل نوروز إلى تقاليد قديمة لدى شعوب
المنطقة، من بينها الكرد، وقد ترسّخ العيد في الموروث الثقافي
الكردي بشكل خاص باعتباره عيداً للحرية وبداية حياة جديدة.
وفقًا لموقع The Kurdish Project وUNESCO، يمثل نوروز لحظة فلكية
وبشرية في آن واحد: تتساوى فيها ساعات الليل والنهار، إيذاناً
بولادة الربيع وتجدد الطبيعة، وهو ما جعل العيد يرتبط في الوعي
الجمعي بفكرة انتصار النور على الظلام والخير على الشر، كما ترمز
إليه أسطورة كاوه الحداد الذي هزم الملك الظالم "ضحّاك" ليشعل نار
الحرية.
مظاهر الاحتفال الشعبي في العراق
تشهد مدن شمال العراق، ولا سيما في إقليم كردستان ومحافظات كركوك
وديالى وبغداد، احتفالات واسعة بنوروز في 21 آذار/مارس من كل عام.
بحسب تقارير Associated Press وShafaq News، تبدأ الطقوس عادة مساء
العشرين من آذار بإشعال المشاعل على رؤوس الجبال والسهول، في تقليد
رمزي يعكس ولادة الضوء وتجدّد الحياة، وتشارك فيه العائلات بأجواء
احتفالية مفعمة بالفرح.
إشعال النار: أبرز رموز العيد، تعبيراً عن النور والدفء وطرد
الطاقات السلبية، ويشارك فيه الصغار والكبار بالقفز فوق النار
تعبيراً عن العبور إلى عام جديد من الصفاء والنقاء.
الزي الشعبي والألوان الزاهية: يرتدي المحتفلون الملابس الكردية
التقليدية، وتُزيَّن الميادين بالزهور والأعلام وألوان الربيع، في
مشهد يوحي بتناسق الإنسان مع الطبيعة.
الموسيقى والرقص الجماعي: تترافق الاحتفالات مع عروض فنية ورقصات
"الدبكة" الكردية، على أنغام الطبول والمزامير، حيث تصطفّ الجموع
في حلقات ترمز إلى الوحدة والتآلف.
الزيارات العائلية وتبادل الهدايا: كما يحرص الناس على زيارة
الأقارب والجيران، وتبادل الأطعمة التقليدية والحلويات، تعزيزاً
لروابط المحبة والتسامح بين مكونات المجتمع.
القيمة الاجتماعية والثقافية لنوروز
نوروز في العراق ليس احتفالاً عرقياً فحسب، بل حدث وطني وإنساني
يجمع بين رموز الحرية والربيع والتجدد.
وتوضح تقارير Arab News وAP أن المشاركة في الاحتفالات تتجاوز
الانتماءات القومية، حيث يشارك العرب والتركمان والآشوريون إلى
جانب الكرد في الفعاليات العامة، خصوصاً في المدن المختلطة، ليصبح
العيد مناسبة للتلاقي والحوار الثقافي بين المكونات العراقية.
كما يمثل نوروز مناسبة لإحياء القيم الاجتماعية الأصيلة كالكرم،
والمصالحة، والتعاون، وهي قيم متجذرة في الثقافة العراقية. وفي
المدارس والجامعات تقام فعاليات ثقافية تعرّف الطلبة بتاريخ العيد
وتربطه بقيم التعايش واحترام التنوع.
إن هذه المظاهر، وفقاً لما ورد في UNESCO وShafaq News، تجعل نوروز
نموذجاً عملياً لاحترام التراث غير المادي الذي يوحّد الشعوب حول
رموز السلام والطبيعة.
نوروز في الوعي الوطني العراقي
في السنوات الأخيرة، أصبح نوروز عطلة رسمية في العراق، اعترافاً
بمكانته الثقافية والتاريخية وبإسهام المكوّن الكردي في إثراء
الهوية الوطنية.
هذا الاعتراف، وفقاً لعدد من المراقبين الثقافيين الذين تناولتهم
تقارير AP وThe Kurdish Project، يعكس رغبة الدولة العراقية في
تكريس قيم المواطنة الثقافية، أي احترام تنوّع الطقوس والمعتقدات
ضمن إطار الوحدة الوطنية.
نوروز بذلك ليس مجرد احتفال كردي، بل عيد عراقي جامع يُعبّر عن
قدرة العراق على تحويل تنوّعه إلى مصدر قوة وإبداع. فكما تزهر
الطبيعة في الربيع، تتجدد في نوروز معاني الأمل والسلام والتكامل
الاجتماعي.
خاتمة
نوروز في العراق هو أكثر من مهرجان موسمي؛ إنه مرآة لهوية متعددة
الألوان تجمع بين الذاكرة والأسطورة، بين الأرض والإنسان.
من خلال إشعال النار، ورقصات الدبكة، وتبادل الهدايا، يحتفي
العراقيون جميعاً بقدرتهم على تحويل التاريخ إلى مناسبة للحياة.
إنه العيد الذي يذكّر بأن التنوع الثقافي ليس تحدياً بل نعمة، وأن
العراق، بتعدده الديني واللغوي والقومي، يستطيع أن يكون نموذجاً في
التعايش والسلام والاحترام المتبادل.
المصادر:
(1) The Kurdish Project ، موقع Kurdish Newroz
(2) Kurds in Iraq and Syria celebrate the Nowruz festival of
spring at a time of new political horizons ، موقع Arab News
(3) Nowruz celebrations ignite joy and hope across Kurdistan
Region ، موقع شفق نيوز
(4) Nowruz: The Rebirth of Nature ، موقع اليونسكو
(5) وكالة الأسوشيتد برس
المصدر الأصلي: منصة مبادرة حملة ثقافة المحبة والسلام بالتعاون
بين دار الكتب والوثائق ومجلة سماء الأمير الإلكترونية الرقمية
|