......أهلا وسهلا بكم في موقع دار الكتب والوثائق الوطنية / وزارة الثقافة والسياحة والآثار ... السلام والتعايش والتسامح والتنوع الثقافي مصطلحات تُعبِّر عن الموروث الثقافي العراقي الذي تعمل دار الكتب والوثائق على حمايته ... دار الكتب والوثائق تهدف إلى نشر ثقافة المحبة والسلام ، لأنّ المعرفة تزدهر بهما ... دار الكتب والوثائق تنشر ثقافة المحبة والسلام، لأنها فضاء خلاق مفتوح للتفاعل الفكري والمعرفي ... المكتبات بوابات المعرفة والثقافة ، ولها دور حيوي في بناء مجتمعات أكثر تسامحًا وسلامًا..  السلام والتعايش والتسامح والتنوع الثقافي مصطلحات تُعبِّر عن الموروث الثقافي العراقي الذي تعمل دار الكتب والوثائق  على حمايته   ...  دار الكتب والوثائق تهدف إلى نشر ثقافة المحبة والسلام ، لأنّ المعرفة تزدهر بهما ... دار الكتب والوثائق تنشر ثقافة المحبة والسلام، لأنها فضاء خلاق مفتوح للتفاعل الفكري والمعرفي ... المكتبات بوابات المعرفة والثقافة ، ولها دور حيوي في بناء مجتمعات أكثر تسامحًا وسلامًا..
 
الصفحة الرئيسية

باب مقالات

الكُرد الفيليون: جذور عراقية وهوية راسخة في فسيفساء التنوع الوطني

 

                                            

  

خاص بمبادرة حملة ثقافة المحبة والسلام بالتعاون بين دار الكتب والوثائق ومجلة سماء الأمير الإلكترونية الرقمية

يُشكّل الكُرد الفيليون أحد المكونات العريقة في النسيج الاجتماعي العراقي، وقد امتدّ وجودهم في البلاد لقرون طويلة، راسخين في مناطق الوسط والشرق من العراق، لا سيما في بغداد وواسط وخانقين ومندلي وبدرة وجصّان وجلولاء، وأيضاً في محافظات مثل ديالى وواسط وميسان، التي احتضنت تفاعلاتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. فهم جزء لا يتجزأ من الموروث العراقي، يجمعون في شخصيتهم بين الأصالة الكردية والروح العراقية التي صاغت تاريخاً من التعايش والولاء للوطن.
ينتمي الكرد الفيليون إلى الجذور اللورية في السلسلة الجبلية الممتدة بين العراق وإيران، ويتحدثون اللهجة الفيلية التي تُعدّ من فروع اللغة الكردية، وتحمل ملامح لغوية خاصة تميزهم عن بقية اللهجات.
هناك جدل أكاديمي حول العلاقة بين الكُرد الفيلية واللُر أو المجموعات القريبة، لكن الاتجاه الأكاديمي الحالي يرى أنهم جزء من الأمة الكردية، مع خصوصية لغوية ومذهبية تجعل وضعهم مميزاً.
الفيلي كلمة امتزجت دلالاتها بالتاريخ والثورة والشجاعة فأخذت معناها من كل ذلك.. فقد جاءت كلمة البيلي في المخطوطـات السومرية القديمة بمعنى المحارب أو الشجاع.. واللغويون يؤكدون أن حرف (پ) كانت تستعمل في اللغات القديمة بدلا من الحرف (ف) كما أن المستشرق الإنكليزي كرزون يذكر في الصفحة 1892 من المجلد الثاني من كتابه التاريخي أن كلمة الفيلي تعني الثائر والمتمرد ويؤيده في ذلك المستشرق هنري فليد في الصفحة 98 من كتابه العلمي القيم (معرفة الأجناس الآرية) وبناء على ما تقدم فكلمة الفيلي (پيلي) هي قديمة بقدم تواجد هذه الشريحة وهي تدل على معان متقاربة في الماضي والحاضر: الثائر؛ الشجاع؛ المتمرد. والظاهر كما أمكن استنتاجه من التاريخ أن هذه الشريحة العريقة كانت في صراع بطولي دائم ضد المظالم والاعتداءات التي يتعرضون لها. إلا انهم وكما يستدل من معنى الكلمة ما كانوا يستكينون على ضيم فاستحقوا بذلك هذا اللقب – الفيلي – عن جدارة تامة.
وقد أسهموا عبر التاريخ في إثراء الحياة الثقافية والاقتصادية والفكرية للعراق، فبرز منهم العلماء والتجار والمثقفون والفنانون، ممن كان لهم دور بارز في نهضة بغداد والمدن العراقية خلال القرن العشرين.
الكرد الفيليون هم شريحة كبرى من شرائح الشعب الكردي وينقسمون إلى خمسة أقسام وهم؛ اللور؛ اللك؛ الكلهور؛ الگوران؛ الشبك (شاه بگ – والتي يرادفها باللغة العربية مصطلح (النبلاء).
وهذه الأقسام بدورها تنقسم إلى قبائل وعشائر كثيرة.
واحدة من أهم الفصول التي لا بد من الإشارة إليها في أي دراسة عن الكرد الفيلية هي مسألة الترحيل، تجريد الجنسية، المصادرات، والاضطهاد الذي تعرضوا له، لا سيما في حقب الاضطهاد والتهجير القسري التي شهدها العراق في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات.
يشير بعض التقديرات إلى أن ما بين 300,000 إلى 500,000 فيلي تم ترحيلهم إلى إيران أو تجريدهم من الجنسية خلال عقود السبعينيات والثمانينيات.
ويتحدث عدد من المصادر عن عشرات الآلاف من الوفيات أو الاعتقالات أو عمليات الاعتداء أو الاختفاء القسري آنذاك.

على الرغم من تعرض الكُرد الفيليين لظروف قاسية خلال مراحل تاريخية مختلفة، إلّا أنهم ظلوا متمسكين بهويتهم الوطنية، وقدموا نماذج عالية في الصبر والانتماء والقدرة على تجاوز المحن. لقد شكّلت معاناتهم جزءًا من الذاكرة الوطنية العراقية، ودفعت باتجاه الاعتراف الدستوري والحقوقي بوجودهم كمكوّن أصيل من مكونات العراق المتنوعة.
إن الحديث عن الكرد الفيليين ليس حديثاً عن أقلية أو فئة محدودة، بل عن طيف واسع من أبناء العراق الذين ساهموا في بناء الدولة الحديثة، وفي الدفاع عنها في أوقات الشدة. فقد كانت لهم إسهامات واضحة في مجالات التعليم والاقتصاد والتجارة، كما حملوا قيم التسامح والكرم والتواصل الاجتماعي، التي ميّزت الشخصية العراقية الجامعة.
يمثل الكرد الفيليون اليوم أحد ركائز التنوع الثقافي في العراق، فهم يجسدون فكرة التعدد بوصفها مصدر غنى لا انقسام، إذ تتقاطع في شخصيتهم اللغات واللهجات والعادات والتقاليد التي تضيف إلى لوحة العراق الثقافية ألواناً من الفرح والتاريخ والذاكرة المشتركة.
ومن المهم أن يستمر الاهتمام بموروث الكرد الفيليين وتوثيقه في مناهج التعليم والبحث الثقافي، بما يعزز الهوية الوطنية العراقية الجامعة التي تقوم على مبدأ العدالة والمواطنة والمساواة، لأن حماية هذا الموروث هو حماية لجزء أصيل من روح العراق وتاريخه.
في النهاية، يبقى الكرد الفيليون مثالاً على التعدد الذي لا يُضعف الوطن، بل يُقوّيه، وعلى الإخلاص الذي لا يعرف الحدود، بل يتجذر في الأرض التي أنجبتهم، أرض العراق بكل ما فيها من تنوع وثراء إنساني وثقافي خالد.

المصادر:
(1) الكرد الفيلية في العراق " Faili kurds in Iraq"، موقع Minority rights Group
(2) مارتن فان بروينِسِن "Martin van Bruinessen"، الكُرد الفيلية واللور: الغموض على حدود إيران والعراق – مراجعة للأدبيات
" Faylis, Kurds and Lurs: Ambiguity on the frontier of Iran and Iraq. An overview of the literature" ، موقع ACADEMIA
(3) عبد الواحد الفيلي، من هم الكورد الفيليون، جريدة التآخي، 29 آذار 2023
(4) صحيفة روناهي
(5) الكرد الفيلية "Fayli Kurds"، موقع euaa
(6) الموسوعة الحرة ويكيبيديا



المصدر الأصلي: منصة مبادرة حملة ثقافة المحبة والسلام بالتعاون بين دار الكتب والوثائق ومجلة سماء الأمير الإلكترونية الرقمية

 

رجوع