آفاق
تاريخ النشر:
15 / 8 /2018
هـل الكتابـة اليـدوية في طريقـها الى الـزوال؟
جودت هوشيار
وسائل الإتصال الرقمية، أزاحت الكتابة اليدوية جانباً. وكل من
يتعامل مع المعلومات ويستخدم هذه الوسائل في عمله او حياته
اليومية، لم يعد بحاجة الى الكتابة اليدوية الا نادرًا وعند
الضرورة فقط ، مثل كتابة المذكرات اليومية أو بضعة أسطر في
دفتر الملاحظات أوالتوقيع على مستند أو صك أو صورة أو كتابة
هوامش وملاحظات على كتاب خلال قراءته، وهي عادة متأصلة عند
العديد من المفكرين والكتّاب.
فقد حل الكومبيوتر محل الأوراق الرسمية في أعمال الحكومة، وفي
كل مجالات الحياة تقريبا في العديد من المجتمعات الغربية
المتقدمة، وثمة اليوم في الولايات المتحدة الأميركية والدول
الأوروبية مؤسسات ودوائر رسمية ومنظات غير حكومية، ومعاهد
ومدارس لا يستخدم فيها القلم والورق للكتابة اليدوية على
الأطلاق .
ولكن هل الكتابة اليدوية امر مهم حقاً في حياتنا؟
وهل هي ضرورية للبشر عموماً والمبدعين من الكتاب والشعراء
والباحثين على وجه الخصوص؟
وهل يشكل اختفاؤها التدريجي ضياع نوع حميم من التواصل الإنساني
عبر الرسائل المتبادلة بين الأقارب والأصدقاء والمعارف ولمتعة
لا تعوض للمحبين، ولمعارف قد يطويها النسيان ؟
ففي نهاية المطاف كل شيء يتغير في الحياة ويتطور بمضي الزمن .
هل يتحسر أحد اليوم على اختفاء طرق الكتابة القديمة على ألواح
الطين، واوراق البردي، والجلود، والتقش على الصخور أو يتحسر
على انتفاء الحاجة الى الفاكس او الأسطوانات الموسيقية ؟
حقا ان المهم هو المحتوى وليس الوسيلة، وما هو مكتوب باليد ليس
سهلا ارساله أو خزنه . واضافة الى ذلك فإن الكتابة اليدوية
ليست سهلة . ولكن من المبكر اليوم، القول بإن الكتابة اليدوية
في طريقها الى الزوال .
صحيح ان الأجهزة الرقمية الحديثة تساعدنا على مواكبة العصر،
وإنجاز الأعمال على نحو أسرع ، ولكن الجري وراء السرعة يفقدنا
بعض ما هو جميل ورائع في حياتنا .!
حتى الماضي القريب، كانت الكتابة باليد تعد تطويرا للذات
ومفتاحاً لفهم الآخرين والدخول الى عوالهم .
كان البعض يعتقد أن الكتابة اليدوية الجميلة والصحيحة عامل
مساعد للتقدم الوظيفي، والنجاح في الحياة . مثل هذه الأفكار قد
تبدو اليوم عتيقة لمن اعتاد على أستخدام الكومبيوتر والهواتف
الذكية في الكتابة وتبادل الرسائل والملفات والصور، ولكن
التجارب العلمية أثبتت أن للكتابة اليدوية مميزات لا تتوفر في
الكتابة الرقمية .
يقول العلماء أن الكتابة اليدوية، كما الرسم، يسهم في تطوير
القدرة العقلية لأنها مرتبطة بالدماغ، أما الدق على لوحة
المفاتيح فهي عملية سلبية، بمعنى أنه لا ينشط التفكير
الإبداعي، لأن الأصابع تتحرك على لوحة المفاتيح بشكل عشوائي
بلا إيقاع والدماغ يتلقى فقط الضوضاء الذي يمنع التفكير ..
الكتابة اليدوية أبطأ وتتناسب تماماً مع سرعة التفكير وضرورية
للتعلم، لأنها تتيح للإنسان معرفة أعمق وأكثر رسوخا .
وأثبتت التجربة التي قام بها فريق بحث "فيلاي" في مرسيليا انه
يتم تنشيط أجزاء مختلفة من الدماغ عندما نقرأ حروفا تعلمناها
من خلال الكتابة بخط اليد، عن تلك التي يتم تفعيلها عندما
نتعرف على حروف تعلمناها من خلال كتابتها بواسطة لوحة
المفاتيح. عند الكتابة باليد، تترك الحركات المعنية ذاكرة
حركية في الجزء الحسي الحركي من الدماغ، الذي يساعدنا على
التعرف على الحروف. وهذا يعني وجود علاقة بين القراءة
والكتابة، ويؤكد فريق البحث، أن النظام الحسي الحركي يلعب دورا
في عملية التعرف البصري في أثناء القراءة .
و جاء في بحث علمي أنجز عام 1989 في جامعة " فرجينيا " ان بعض
المدارس الأميركية قامت بمحاولة تحسين الخط الرديء لعدد من
طلابها ونجحت في ذلك، وهذا التحسن أدى في الوقت نفسه الى تعزيز
عملية التعلم، وقدرة الطلاب على القراءة الصحيحة، وتشكيل
العبارات، والجمل وتذكر النصوص بشكل أفضل .
الكتابة اليدوية منذ الصغر تسهم في تشكيل الطبع الإنساني،
وتطوّر قدرات الأنسان. والخط اليدوي ينم عن شخصية كاتبه ومن
الصعب، ان لم يكن من المستحيل تغييره لأنه ميزة فردية، تماثل
تماما الميزة الفردية لبصمات الأصابع .
الكتابة هندسة الروح، ونظافة الكتابة من نظافة الروح .
الخط الجميل سمة للإنسان الواثق من نفسه وبفقدانه نفقد كل روعة
وجمال الأحرف التى تشكل الجزء الأهم من تراث الشعوب.
فصل من كتابنا " السلطة الخامسة " نبض الحياة في القرية
العالمية ، الصادر حديثا عن دار الزمان للطباعة والنشر
والتوزيع في دمشق
|