Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

             
 

 المقهى

 

تاريخ النشر : 19 /3  /2018

 

حروف وذاكرة - الخُبّاز ( پنجر )

برهان المفتي

 

عدسة محمد خليل كيطان التميمي

 في تلك السنوات، كانت مواسم الشتاء غزيرة المطر كغزارة دعاء الأمهات، ومع مجيء دفء شمس الربيع، كانت المساحات الترابية المتروكة بين المنازل في كركوك وجوانب الطرقات والمقابر وحتى حدائق المدارس تلبس رداءً واحداً بلون أخضر غامق ، ذلك الرداء كان نبات الخُبّاز، وفي كركوك نقول له (پنجر )، وهو الطعام المفضل في نهارات وليالي ربيع كركوك ، بعيداً عن المثل البغدادي ( يركض والعشا خُبّاز )، فالخُبّاز كان متعة الموائد والبطون.

كانت عوائل كركوك الفرحة بالربيع تخرج إلى تلك المَساحات الخضراء على أطراف الشوارع وبين المنازل، حاملين أكياسهم القماشية فيجمعون أوراق نبات الخُبٌاز ، فالأوراق الكبيرة ستلفها الأمهات تماماً مثل دولمة ( محاشي ) ورق العنب ( يرپاغ ) مع الرز الأبيض وشحم مع الفلفل الأسود وقليل من اللحم ، وطعم ملفوف ورق الخُبّاز فيه حموضة طيبة لا تتوفر في ورق العنب ، وبعد فترة على نار هادئة ، تقوم الأم بصب الدهن السائل الحار ( فرگعة الدهن ) فوق تلك الأوراق في القِدر، تلك العملية تعطي لأوراق الخُبّاز لوناً خاصاً ولمعاناً باهراً قبل قَلب القِدر على صينية واسعة، ولا تكتمل نكهة تلك الطبخة إلا مع الثوم واللبن الكركوكي المدخن وأحياناً خبز الرقاق. تلك كانت وجبة الغداء اليومية في نهارات الربيع حينذاك.

أما أوراق الخُبّاز الصغيرة، فتكون مادة لشوربة كثيفة لذيذة مع البرغل وبعض قطع صغيرة من الشلغم ( اللفت ) وهي شوربة دافئة جداً في ليالي الربيع الباردة خاصة بعد الخروج من حمام حار، فتزل تلك الشوربة وتسير في الجسم كأنها الروح تحيي كل شيء وهي تمُرّ بها.

كان ربيع تلك الأيام متعة حقيقية، فمنه طعامنا وألعابنا، نعم حتى ألعابنا، إذ كانت هناك نبتة شوكية نسميها ( الساعة )، نأخذ شوكها قبل جفافها، ونغرزها في بلوزاتنا الصوفية، فتميل الشوكة وتبدأ بالدوران مثل الساعة تماماً حتى تتوقف من كثر البرم، وكان الفائز هو مَن تظل ساعته النباتية الشوكية تستمر بالحركة أطول فترة.

جاءت بعد ذلك مواسم الجفاف، جفاف السماء، أما عيون الأمهات فقد ازدادت غزارة في الدمع لكنها لم تنتج أوراق الخُبّاز، فالطرقات صارت ضيقة لا مَساحةَ فيها تماماً وكذلك القلوب ، فلننتظر عودة بلل السماء، لعل لنا أمل ذلك في عيون الأمهات.

 

تنبيه

 لايُسمَح لأية صحيفة ورقية او موقع ألكتروني او مدونة او موقع شخصي او صفحة تواصل اجتماعي بإعادة نشر موضوعات او صور مجلة "الموروث" من غير إدراج اسم كاتب الموضوع وكذلك اسم المجلة بصفتها مصدرا ، عملاً بضوابط الملكية الفكرية والأمانة الصحافية.