Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

             
 

 المقهى

 تاريخ النشر : 16 /12  /2018

 

حروف وذاكرة- دام ديره گى

 برهان المفتي

 خاص بـ "الموروث"

  كانت البيئة الزراعية في كركوك متميزة، وكنّا نتمتع بألذ الخضراوات والفواكه كل بموسمها طازجةً بطمعها وندية بألوانها، وخاصة محاصيل طوزخورماتو وتازةخورماتو وآلتون كوپرى وقره عنجير ( كانت قره عنجير ضمن الحدود الإدارية لكركوك) ، قبل أن تهجم علينا منتجات البيوت الزجاجية الملوثة بالهرمونات والمبيدات الكيمياوية. كما كان لبن كركوك لاسيما ذلك الذي يأتي من يايچي وتركلان وليلان وچمبتلر، ذلك اللبن الباهر المخلوط بطعم حشائش الربيع التي تغطي طبقة قماش الخام فوقه لإمتصاص ماء اللبن ومنع حموضته ، فتتكون طبقة لذيذة من الدسم ( الگشوة) فوق اللبن، فيها انتعاش الربيع كله ومذاقه بين الفصول.

وكان لنهر خاصة صو الموسمي تأثيرٌ كبير على خصوبة جانبي شطآنه في المناطق التي يمر منها، فكنا نرى أحجاماً كبيرة من الرگي ( البطيخ الأحمر) والبطيخ الأصفر ( الشمّام). إلاّ أن أكبر ما كنا نشاهده هو نوع من الترعوزي ( أو التعروزي- خيار الماء) والذي كان يُسمّى ( دام ديره گى) والذي يعني عمود البناء ( دام: البناء أو البيت) و ( ديره گى: العمود الساند أو الدنگة) بسبب ضخامته.

كان ( دام ديره گى) هائلاً في حجمه، يضعه البائع على كتفه فيتدلى مثل سمكة كبيرة يتفاخر بصيدها صياد ماهر فيدخل المدينة واضعاً صيده على كتفه. وكان كل بائع يحمل واحداً لثقله وضخامته، حيث أنّ البائعين هم فتيان دون الخامسة عشر من العمر، وأحياناً دون العاشرة، وهم أبناء الفلاحين الذين تنتشر بيوتهم على جانبي نهر خاصة صو الموسمي ، أو أبناء بيوت على ضفتي النهر، تلك البيوت كانت لها مساحة يزرعونها بالرگي والبطيخ والترعوزي ( دام ديره گى)، حيث يغطي النهر تلك المساحات في موسم الفيضان، ثم يبدأ القطاف مع بداية الصيف.

و ( دام ديره گى) ترعوزي عجيب الطعم، يقوم البائع بقطعه حلقات وحلقات بسكين حاد يحمله في حزامه، ثم يضيف عليه السمّاق المطحون ( السمّاگ)، ذلك الطعم هو مزيج من نداوة الترعوزي من الداخل وخشونة قشره الخارجي وحموضة السمّاق المختلط ببذور الترعوزي، وكنا نستمتع بتلك الخشونة ونحن نضغط على تلك الحلقات بأسناننا التي تحاول أن تنغرز فيها.

كان بائعو ( دام ديره گى) يأتون من الصباح الباكر فيدخلون الأزقة والدرابين وهم ينادون (دام ديره گى ... دام ديره گى)، فيخرج الأطفال مهرولين، ثم يأخذ البائع مكاناً له في ركن مكان فارغ نلعب فيه الكرة، كلما تعبنا من الركض خلف الكرة كانت حلقات ( دام ديره گى) تعطينا الطاقة، كما كانت قطع الرگي تعطي أجسامنا ما فقدت من السوائل في يوم صيفي حار، حيث كان حضور وتواجد بائع الرگي ضرورياً لمباراة الكرة، لاسيما ذلك البائع الذي كنا نناديه ( گوزى ماوى) لجمال عينيه بلونها الأزرق.

 

 

تنبيه

 لايُسمَح لأية صحيفة ورقية او موقع ألكتروني او مدونة او موقع شخصي او صفحة تواصل اجتماعي بإعادة نشر موضوعات او صور مجلة "الموروث" من غير إدراج اسم كاتب الموضوع وكذلك اسم المجلة بصفتها مصدرا ، عملاً بضوابط الملكية الفكرية والأمانة الصحافية.