Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

             

 

النافذة المفتوحة

تاريخ النشر : 11 / 12 /2017

   

بحوث ودراسات

دور السينما في مدينة بغداد بالعهد الملكي وأثرها في الحياة الاجتماعية

إعداد : أ.م.د.كمال رشيد خماس العكيلي

مركز إحياء التراث العلمي العربي / جامعة بغداد

الجزء الاول

خاص بـ "الموروث"

 

المقدمة

 كانت دور السينما في مدينة بغداد بالعهد الملكي تُمثل تراث وتاريخ فني كبير ، فقد كانت هذه الدور حتى أواخر السبعينيات من القرن العشرين تشكل معلماً من معالم مدينة بغداد ومنبراً من منابر الثقافة فيها ، يوم كانت بعض هذه الدور السينمائية الرصينة تهتم بشراء وعرض الأفلام العربية والأجنبية ذات القيمة الفنية والثقافية وفوزها في مهرجانات عالمية وحصولها على جوائز عالمية أو إعداد سيناريوهات عن روايات عالمية.

يتضح لنا أنّ للسينما دوراً مهماً برز في الحياة الاجتماعية بشكل واضح وكبير منذُ بداية الثلاثينيات وتطور في الاربعينيات والخمسينيات بعد توفر الملاكات الفنية التي إطلعت بمهامه بايجاد مستلزمات خاصة ، واستلهام مقوماته من واقع الحياة اليومية لأبناء مجتمع مدينة بغداد ، والتعبير عن مشاعرهم وإحساسهم ومعاناتهم بشكل صادق ومؤثر في النفس الانسانية مما جعل هذه الفنون مقبولة لدى مختلف الشرائح الاجتماعية التي وجدت في هذه الفنون ضالتها المنشودة في كشف التناقضات الاجتماعية والفوارق الطبقية ومحاولة معالجتها بأسلوب اجتماعي ، فضلاً عن أغراضها الثقافية والتعليمية إلى جانب أهدافها الترفيهية المعروفة .

وبالتالي أصبحت دور السينما في مدينة بغداد من الوجاهة والتأثير والتأثر وذوق مؤسيسها وهم من رجال الأعمال والمشهود بتذوقهم للفن السينمائي وروعة ماكانوا يعرضون . لذا كانوا بحق رجال لهم الفضل بوصول السينما إلى عصرها الذهبي بعد أنّ وصلت إلى مايسمى بواحة ومحطة للثقافة .  وعليه قسم البحث إلى ثلاثة مباحث هي كالآتي: ـ

ـ    المقدمة

ـ   المبحث الأول :  نبذة تاريخية عن بدايات ظهور فن السينما في مدينة بغداد .

ـ المبحث الثاني : انتشار دور السينما وتأثيرها في الحياة الاجتماعية .

ـ المبحث الثالث : مقترحات للنهوض بدور السينما في مدينة بغداد .

ـ الخاتمة .

ـ الهوامش .

ـ المصادر.

  

المبحث الأول   : ـ

نبذة تاريخية عن بدايات ظهور فن السينما في مدينة بغداد

لغرض الوقوف على بدايات ظهور النشاط الفني السينمائي وعطاءاته في العراق ومنهُ مدينة بغداد بالذات  ، لابد من العودة إلى الماضي حيثُ تمتد جذور هذا النشاط الإبداعي الفني الذي يُعد شكلاً من أشكال التعبير عن الواقع الأجتماعي . (1) فقد كانت الحكايات الشعبية هي وسيلة التسلية الوحيدة أحياناً حتى جاء الراديو ليزاحمها وأقبلت السينما لتكتسحها . (2)

ولأن المقاهي كانت الاماكن التي يهدر فيها الوقت فقد كان بعضها يُحيي حفلات الغناء لهواة المقام وقرائه .  وبسبب انتشار الأمية في المجتمع أصبحت القصص سلواهم ، لذا كانت بعض المقاهي القديمة تعقد جلسات  الرواية في أُمسيات معينة حيثُ يروي (القصخون ) *فصولاً من قصص المغامرات الخيالية والبطولات  الوهمية .(3) فقد كان أهل بغداد يجتمعون بعد صلاة العشاء في المقاهي للاستماع الى ما يقص عليهم  (القصخون) من حكايات تاريخية بأسلوب تمثيلي يلهب حماس رواد المقاهي (4) حيثُ كانت في بغداد  مقاهي عديدة يجتمع فيها الناس حول قاصهم المفضل منها مقاهي محلات الجوبة ، والفضل ، وباب الشيخ ، والدهانة في جانب الرصافة ، ومقاهي محلات الفحامة ، وسوق العجمي ، والست نفيسة ، والشيخ صندل ، في جانب الكرخ . (5) لذلك كان (للقصخون ) مكانة مرموقة في المقاهي لأن السواد  الأعظم لم  يكن لديه مايلهو به كالملاهي ودور السينما وغيرها فكانت تسليتهم بسماع القصص والأساطير يتلوها عليهم أحد القصاصين .(6) لذا كان رواد (القصخون ) يحرصون بمثابرة ملحوظة على حضور جلسات الرواية ومتابعة فصولها .(7) في الوقت الذي أتخذ فيه أصحاب المقاهي التعاقد مع القصاصين سبيلاً لزيادة رواد مقاهيهم .(8)

ولطالما شاهد البغداديون في بداية القرن العشرين القصخون (ملا فرج ) في مقهى حوري بمحلة خان لاوند وعلى رأسه جراوية وبيده سيف خشبي ، ومثلهُ كان القصخون (نصيف العزاوي) .(9) وقد كان لشقاوات بغداد ولع أي ولع بالإصغاء إلى ماينشدهُ القصخون من أخبار تلك المعارك وما يصورهُ من أشكال تلك البطولات لأبي زيد الهلالي وعنترة بن شداد أو غيرهما من أبطال الملاحم .(10)

فيما كانت تعرض مقهى عزاوي في محلة الميدان ألاعيب (خيال الظل ) في ليالي شهر رمضان بينما (مقهى  سبع) التي تقع على مقربة من مقهى عزاوي كان بها ملعب (القرقوز ) ، في حين كان مقهى التبانة بمحلة  الفضل يعرض ليلاً أشبه بتمثيليات هزلية لاتخلو من النكات المضحكة على جمهرة من المتفرجين .(11)  ونتيجة للتطور العلمي والتقني الذي رافقهُ حدوث تغيرات في الحياة الاجتماعية في مدينة بغداد ، فقد ودعت مقاهي بغداد مجالس القصخون وعوضت جلاسها بالكرامفون ( الحاكي ) أولاً ثم الراديو .(12) فعند ظهور جهاز الحاكي كان بعض أصحاب المقاهي يضعونهُ في مكان بارز من المقهى ومعهُ عدد من الاسطوانات لإسماع جُلساء المقهى بعض الأسطوانات المحتوية على الأغاني والمقامات العراقية والبستات .(13) حيثُ تم استبدال الراديو في أواسط الثلاثينيات من القرن العشرين بدل الحاكي في بعض مقاهي بغداد .(14) ، وأصبحت من الحاجات التي ينبغي تزويد المقهى بها . مع بروز وازدياد ظاهرة قراءة  الصحف اليومية في المقاهي بمدينة بغداد . (15) 

أما عبدالكريم العلاف فيشير إلى الملاهي وجوق الإخباري بقوله ( وبعد أن شعر أصحاب الملاهي أنّ أهل  بغداد سئموا ذلك الرقص الخليع وتلك الأغاني الرخيصة وأن سير الملاهي أخذ بالتقهقر الشنيع مما يؤدي إلى الخسارة المادية ، ضموا إلى جوق الرقص جوق تمثيلي هزلي مؤلف من عدة أشخاص يقومون بدوره آخر الليل ويسمى هذا الجوق إخباري ). ولم يكن جوق الإخباري هذا حديث العهد ، فهو على غرار الفصول الهزلية التي كان يقوم بها الهزلي البغدادي المشهور (إبن الحجامة ) وزميله الفكه (منصور) في بعض مقاهي بغداد أوائل القرن العشرين ، غير أنهُ منظم بملابس مزركشة فضلاً عن إظهار الخناجر والسيوف ومشاركة النساء في هذا العرض ، والبغدادي المرح بطبيعته يطرب لكل شيء ينعش خاطرهُ.(16) ومن الممثلين المعروفين في ذلك (جعفر لقلق زادة ) الذي كان ممثلاً إنتقادياً بارعاً إضافة إلى كونه مؤلفاً ومدرباً .(17)

وهنالك عدة أجواق للتمثيل الخلاعي كانت مقتصرة على بعض الفنادق أهمها جوق (سليمة مراد) ، وقد  وصف هذا النوع من التمثيل بأنهُ قاتل للحشمة .(18)

إهتم البغداديون بمشاهدة الصور المكبرة في فترة سبقت ظهور أول صورة متحركة صامتة فوق شاشة سينما ،(19) أما السينما توكراف فقد شاهدها أهالي مدينة بغداد للمرة الاولى وذلك في ليلة الاحد 26/ تموز1909،  

حيثُ عُرض أول هذه الافلام في دار الشفاء الواقع في الجانب الغربي (الكرخ) من بغداد .(20)  وقد انبهرت تلك الجمهرة التي حضرت العرض مما شاهدت من (الالعاب الخيالية) كما دُعيت في ذلك الوقت .(21)  ويظهر أن مدينة بغداد سبقت غيرها من العواصم المجاورة من خلال أول عرض سينمائي جرى في عام 1909.(22)  

ويبدو أنّ هذا الفن الوافد قد راق لبعض تجار ذلك الزمان فقرروا اختيار مكان مناسب عام يرتادهُ الأهالي بموجب تذاكر . وقد وفق هؤلاء إلى تشييد أول دار للعرض السينمائي في عام 1911 ، وسط البستان الملاصق للعبخانة وتقع هذه المنطقة حالياً في منتصف شارع الرشيد  ببغداد . وفعلاً جرى حفل العرض السينمائي الاول في 5/ أيلول /1911 ، فكان لهذا الحدث غير الاعتيادي أصداء واسعة في الاوساط الاجتماعية والثقافية وظهرت عنهُ مقالات وتعليقات .(23) وقد ضم العرض ، الذي حضرهُ الوالي العثماني  (جمال باشا) ، ثمانية أشرطة قصيرة . (24) 

وتشير الجريدة البغدادية (صدى بابل) الصادرة في أيلول ـ 1911 الى : (يبتدىء أول تمثيل بالسينما توغراف  في يوم الثلاثاء منذُ الساعة الواحدة والنصف في البستان الملاصق للعبخانة وهذا التمثيل الأولي يكون بالاشكال اللطيفة التهذيبية المبهجة ) الآتية : ـ (25)

1ـ صيد الفهد  .

2ـ الرجل الصناعي .

3ـ  بحر هائج .

4ـ  التفتيش عن اللؤلؤة السوداء.

5ـ سباق مناطيد .

6ـ طيور مفترسة في أوكارها .

7ـ خطوط حية (متحركة) .

8ـ تشييع جنازة ادوارد السابع ـ ملك إنكلترا  .

كان هذا أول إعلان ينشر في الصحافة العراقية عن عروض سينمائية تقدم في دار للعرض بموجب تذاكر ـ  وفيه إشارة لعناوين الافلام المعروضة . وقد حضر هذا العرض السينمائي ماينيف على 200 شخص  يمثلون علية القوم من موظفي الحكومة ووجهاء المدينة صاحب العرض عزف الموسيقى العسكرية .  ويذكر أنّ ذلك المكان (البستان) الذي عُرضت فيه تلك الافلام هو نفسه الذي دُعي فيما بعد بـ ( سينما بلوكي ) نسبة إلى تاجر مسيحي مستورد للمكائن كان معروفاً في العراق .(26) وبذلك تكون هذه السينما  ـ أي بلوكي ـ هي أول دار عرض سينمائي تُفتتح في مدينة بغداد عام 1911 .(27)

ولم يكن ذلك البستان بالعبخانة المكان الوحيد الذي عُرضت فيه الصور المتحركة ، ففي المسرح المركزي  بحديقة الاهالي خصصت سينما للأهالي عُرضت العديد من الأشرطة القصيرة من أهمها : ـ (28)

1ـ جريدة باتة .

2ـ العاب بدنية .

3ـ صورتان هزليتان .

4ـ طعام الملوك .

5ـ بالاضافة إلى شريط من خمسة أجزاء اسمهُ (مناظر الحرب) .

وكانت عروض السينما توغراف تقدم عادةً في المناسبات المهمة والاحتفالات العامة كما حدث في التياترو  الجديد بالبساتين العمومية عند الاحتفال بيوم الامبراطورية في 24/ أيار / 1918، فالى جانب العرض  التمثيلي الذي قدمتهُ فرقة الممثل البريطاني (بول فريمن ) عُرض شريط سينمائي يحمل اسم (معارك هذه الحرب) سجل مآسي الحرب العالمية الاولى ، كذلك عُرضت الصور الجديدة التي التقطت في شوارع بغداد واسواقها .

ويظهر أنّ العديد من مناطق مدينة بغداد شهدت بعد الحرب العالمية الاولى عروضاً سينمائية في الهواء  الطلق نظمتها دائرة الاستعلامات البريطانية بجهاز عرض (16ملم) كانت تنتقل به إلى مناطق عديدة من  المدن العراقية .(29)

وكان أول من تنبه إلى أهمية السينما في العراق هم التجار اليهود الذين سارعوا إلى تشييد دور العرض  ، وكان أيضاً للصحافة دورها في التنبوء باهمية السينما والاعلان عن الافلام وتقديم القراءات النقدية ،  حيثُ شجع ذلك إقبال الناس على مشاهدة العروض السينمائية .(30)

بعدها تكاثر تأسيس دور سينما جديدة في الفترة التي سبقت وأعقبت قيام الحرب العالمية الاولى ، حيثُ  افتتحت دار ثانية للسينما هي (سينما عيسائي ) نسبة إلى التاجر المسيحي يعقوب عيسائي في محلة رأس القرية . ثم تبعتها سينما أولمبيا ، وسينما سنترال ، والسينما العراقي ، والسينما الوطني . (31)

ويلاحظ أنّ الغالبية العظمى من هذه الدور كانت تقع في الشارع الجديد ـ أي الرشيد حالياً ـ أو على مقترباته على الأقل باعتباره مركز مدينة بغداد العمراني ونشاطها التجاري والتسويقي حيثُ يكثر المارة والازدحام .

ومع إتساع ظاهرة السينما في مدينة بغداد أخذ الشباب يهربون من المقاهي إلى دور العرض السينمائي تشبهاً بتلك النخبة من المتنورين التي وجدت في السينما مصدراً جديداً يضاف إلى مصادر ثقافتها .(32)

ومع تضاعف إهتمام الناس بمتابعة تلك الاشرطة المليئة بالمشاهد والصور المدهشة ، تضاعف أيضاً إهتمام بعض الموسرين بتلك الظاهرة الجديدة التي اسمها (السينما الصامتة ) فسعوا للاستفادة منها بالتفكير الجاد في بناء دور خاصة بالعروض السينمائية تجلب أحدث الأشرطة القصيرة التي غزت العالم كلهُ . وقد أدت سينما أولمبيا ورويال سينما تلك المهمة بنشاط ملحوظ في عام 1919. (33)

وعن بدايات دور السينما في مدينة بغداد يشير الباحث أمين المميز بقوله ( أذكر بغداد يوم تأسست بعد  الاحتلال البريطاني أول دار سينما في بغداد وكانت لاتتسع لأكثر من مائة مشاهد تقع في شارع النهر  ـ مقابل أورزدي باك القديم ـ ثم تأسست بعدها السينمات الثلاث في شارع الرشيد وهي رويال سينما ـ مقابل ساحة الشاعر معروف الرصافي حالياً ـ والسينما الوطني ـ كان مقابل شركة المخازن العراقية ـ وسنترال  سينما ـ مقابل ساحة الوثبة ومحل حافظ القاضي ـ .(34)  أما الباحث الموسوعي جلال الحنفي فيشير الى ذكرياته  عن دور السينما في مدينة بغداد قائلاً ( وفي منطقة الميدان كانت تقع سينما العراق كانت أول الأمر تُعرض فيها الافلام صامتة وتكتب بعض تفاصيل الأمر على الشاشة في ترجمة مستعجلة . (35)

 

المبحث الثاني   : ـ

انتشار دور السينما وتأثيرها في الحياة الاجتماعية

بدأ التوسع والانتشار في دور السينما في عام 1920 من خلال شراء ذلك النوع المطور من الأشرطة  الطويلة المسلسلة  . ومما شجع أصحاب رؤوس الأموال في استثمار أموالهم في تجارة الأفلام وفتح دور  للعرض إقبال الجمهور عليها لذلك توالت العروض السينمائية خلال الاعوام التالية مع استمرار فتح دور  عرض جديدة وتولي أصحابها وهم من التجار المعروفين في بغداد استيراد الأفلام والإعلان عنها .(36) وقد لوحظ إهتمام الجمهور البغدادي وحرصه الشديد على متابعة الأشرطة المصورة ذات الطابع الكوميدي ومن الجدير بالذكر أن الفنان الكوميدي الشهير (شارلي شابلن) تكرر ظهوره على شاشات دور العرض في مدينة بغداد مرات عديدة منذُ عام 1920 والذي استحوذ على إعجاب الجمهور البغدادي .(37) وفي عقد العشرينيات تعمق الوعي في فن السينما وقد لعبت الصحافة دوراً واسعاً في التبشير بالسينما والدعوة إلى  مشاهدتها ، فأفردت الصحف والمجلات زوايا وصفحات لعرض أخباره والتعريف بنجومه ، ومع إتساع ظاهرة السينما انتعش النشاط المسرحي كذلك . وخلال هذا العقد ظهرت أولى المحاولات في النقد السينمائي ، كذلك قامت بعثات أجنبية بزيارات إلى بغداد وصورت الأحداث الجديدة الجارية في العراق وتولت عرضها للجمهور المحلي مثل مقدم فيصل الأول وتنصيبه ملكاً على العراق الذي صورهُ مصور بريطاني ، وقام مصور آخر بتصوير حفر بئر لاستخراج النفط .(38)

وشيد بعد ذلك العديد من دور السينما منها سينما العراق في شارع كان يسمى بشارع الصابونجية قرب ساحة الميدان ، ثم سينما الوطني عام  1927، ثم افتتحت سينما رويال التي حلت محلها عمارة وقوف السيارات عند تمثال الشاعر معروف الرصافي حالياً . سينما رويال كان فيها مسرح قدم عليه العديد من الفرق أعمالها كفرقة الفنان حقي الشبلي، وبشارة وكيم ،ويوسف وهبي ، وفاطمة رشدي ، وجورج أبيض .(39)

وإن سينما الوطني تعلن في عام 1927عن عرض أربعة أفلام في وقت واحد من بينها كان الفلمان :(40)

1ـ مناظر الحفلة الربيعية للجيش العراقي .

2ـ تدشين طيارة في مدينة بغداد .

ومن المتغيرات ذات الأهمية في أواخر العشرينيات إنّ السينما كافلام ومكان للعرض أصبحت ظاهرة لها  أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وأصبحت قضية تجاوزت حدود المشاهد الذي يرتاد هذه الدار أو  تلك . ودليلنا على ذلك إنّ (سنترال سينما ) وهي دار عرض معروفة ، قررت تخفيض أسعار الدخول إليها  بحجة (ليتمكن الجميع من الاستفادة من الرواية الجميلة والمفيدة ) .إنّ هذا لم يأتِ عبثاً لأن أسباباً موضوعية عامة أوجبت إصداره وهي ذاتها التي دفعت غيرها كذلك .(41) فيما خصصت سينما الوطني عرضاً خاصاً لطلبة المدارس ليلة الجمعة من كل اسبوع ، وأصبح ذلك تقليداً إتبعتهُ دور السينما الأخرى  فابتداءً من 5/ آذار / 1931خصصت سينما رويال هي الأخرى عرضاً خاصاً لطلبة المدارس ليلة كل جمعة (42). بينما دعت بعض الصحف في مقالاتها إلى ( معاضدة السينما وإبداء التسهيلات اللازمة حتى تعيش وترقى وتتقدم لأنها من الصناعات الوطنية ، هذا فضلاً عن لزومها لثقافة البلد وتهذيبه وتعليمه وهي أحسن معاهد يختلف إليها في ساعات الفراغ من الليل . وتكافح مكافحة شديدة بيوت الفساد ودور اللهو المزري والخلاعة) (43)

ويبدو أنّ صالات السينما في مدينة بغداد قد مارست تأثيرها في الحياة الاجتماعية والثقافية ، لأن السينما كانت إلى عهد قريب وسيلة اللهو الشعبية الأولى إضافة إلى دورها في نقل النصوص الأدبية للجمهور الواسع . وهنالك أشخاص ساهموا بشكل أو بآخر في دفع نهضة السينما وتقدمها وجعلها حقيقة ملموسة في بغداد منهم الفنان (حقي الشبلي ) الذي كان من المشتغلين بالتمثيل المسرحي الذي يعتبر الأداة الدافعة إلى السينما ، وهنالك (عبدالستار البصام) الذي جعل السينما حقيقة ملموسة وهو من خريجي معهد الفنون الجميلة .(44)

مما لاشك فيه إنّ القطاع الخاص بشأن السينما كمستورد للأفلام قد أثرى خلال المراحل الأولى لنمو ظاهرة السينما من جراء تكاثر دور العرض وتعدد المصادر والشركات السينمائية الأجنبية التي كان يتعامل معها .(45) إذ أدرك بعض رجال المال أنّ لدور العرض السينمائية فائدتين أساسيتين هما أولاً لبث الثقافة والفنون والربح ، ثانياً لأن تجارة الافلام تُعد وسيلة رابحة للعيش وكان من جراء ذلك إن فُتِحت دور للعرض كثيرة مستوفية كثيراً من الشروط الصحية ووسائل الراحة ، كما إن الأفلام التي قدمت كانت راقية من جميع النواحي من حيث القصة والإنارة والتمثيل والإخراج والصوت ، ويذكر أنّ الأفلام كانت صامتة ،(46) ولم تشهد مدينة بغداد السينما الناطقة إلاّ في أوائل الثلاثينيات . (47) 

ولعل أهم حدث فني شهدهُ العراق مع مطلع الثلاثينيات كان ذلك الذي جرى في (سينما الوطني) يوم عيد الفطر الموافق 19/ شباط / 1931 ففي ذلك اليوم بالذات نطقت السينما الصامتة لأول مرة في العراق من خلال الفيلم الغنائي (ملك الموسيقى ) ، وقد تخصصت السينما الوطني في تقديم الأفلام الناطقة أول الأمر . ويلاحظ أن أغلب تلك الأفلام الناطقة كان من النوع الغنائي الذي أتاح للناس فرصة الاستمتاع بالاصوات الغنائية والألحان الموسيقية وهي ميزة افتقدتها الأفلام الصامتة التي بدأت تتلاشى تدريجياً وتختفي من فوق شاشات السينما خاصة بعد أن بدأت (سينما سنترال) هي الأخرى بتقديم الأفلام الناطقة إبتداءً من 20/ نيسان /1931حيث عرضت أول أفلامها الناطقة ( إنشودة شارع برودواي).(48)وذلك مافعلتهُ سينما ليالي الصفا وسينما رويال عندما بدأت بعرض الأفلام الناطقة إسوة بسينما الوطني ، وكان ذلك إيذاناً بانتهاء عصر الفيلم الصامت واعترافاً بسيادة الفيلم الناطق الذي أصبح لهُ جمهورهُ الهائل من المعجبين الحريصين على مشاهدته .(49) وبالتالي شهدت دور السينما في فترة الثلاثينيات انتشاراً وتطوراً نوعياً ، وترتب على ذلك إنشاء دور جديدة للعرض السينمائي في مدينة بغداد

مثل : ـ (50)

ـ سينما الرافدين : تأسست عام 1932 وتقع في شارع الرشيد .

ـ سينما الملك غازي : تأسست عام  و1934تقع في الباب الشرقي في رأس شارع الملك غازي .

ـ سينما الحمراء : تأسست عام 1935 وتقع في شارع الرشيد قرب جامع مرجان .

ـ سينما الزوراء : تأسست عام 1936وتقع في شارع الرشيد محلة المربعة .

ـ وبعد تقدم العمران في شارع الرشيد أُنشئ مجمع روكسي وريكس بإدارة عبدالجبار سبع . وكان هذا

المجمع من جملة مايشمل سينما روكسي وسينما ريكس اللتين تأسستا 1936عام ، ونصب في هذا المجمع

تمثلان جميلان لآلهة الجمال .(51) 

ـ سينما الرشيد تأسست عام 1937وتقع في شارع الرشيد مقابل جامع سيد سلطان علي .

وهناك دور للعرض صيفية تتوقف طوال الشتاء والربيع والخريف . ففي فترة الثلاثينيات ظهرت أول

سينما صيفية في جانب الكرخ باسم سينما (ليالي الصفا) .

والصفة الغالبة على جميع هذه الدور السينمائية هي تقديم وعرض أعداد وفيرة من الأفلام الأجنبية خلال فترة الثلاثينيات . وليس معنى ذلك أن التجارب العربية الأولى لإنتاج الأفلام الروائية الناطقة كانت بعيدة عن شاشات دور السينما في العراق ، ففي شهر تموز عام 1932عرضت سينما الوطني الفيلم العربي المصري (أولاد الذوات) من إخراج محمد كريم وشارك في بطولته الفنان يوسف وهبي وأمينة رزق ودولت أبيض . وفي العام التالي أي عام 1933عرضت سينما رويال الفيلم المصري (سلمى) ، بينما عرضت سينما سنترال فيلماً غنائياً من إخراج أحمد جلال. وفي عام 1934عرضت سينما الوطني فيلم (الوردة البيضاء) الذي أخرجهُ محمد كريم وشارك ببطولته الفنان الموسيقار محمد عبدالوهاب وقد حقق هذا الفيلم نجاحاً غير عادي وأعيد عرضهُ أكثر من مرة . أما سينما الحمراء فعرضت عام 1936فيلم (وداد) ، وهو من بطولة الفنانة أم كلثوم . وهكذا توالى عرض العديد من الأفلام العربية ـ المصرية تحديداً ـ في دور السينما في بغداد . (52)        

وفي مطلع الأربعينيات أصبح الفيلم المصري منافساً قوياً للفيلم الأجنبي على شاشات دور السينما العراقية ، على عكس فترة الثلاثينيات عندما كانت سيادة الفيلم الأجنبي كاملة على دور السينما والجمهور ، ليس فقط بالنسبة لعدد الأفلام المعروضة بل وأيضاً بالنسبة لقيمتها الفنية والفكرية . (53) 

ومع ازدياد دور السينما وأهميتها وتأثيرها على الحياة الاجتماعية في مدينة بغداد في عقد الثلاثينيات ، سعت دور العرض السينمائي إلى التنافس فيما بينها بغية تقديم أفضل الأفلام للجمهور مع المساهمة في بعض الفعاليات ذات الأبعاد الاجتماعية  ، فمثلاً كانت (سينما الحمراء ) وهي تهتم بحوادث العالم كثيراً ، تجلب أفلامها بواسطة الطائرة لتعرض إلى الجمهور في أقرب وقت قبل أن يبُعد بها العهد .وفي الوقت نفسه  كانت تنظم عروض سينمائية لتلاميذ المدارس والمؤسسات الخيرية ومدرسة الأيتام لجميع الطوائف الدينية مجاناً . (54)

وعلى العموم كان أكثر رواد دور العرض السينمائي من طلاب المدارس ، أما النساء فلم يكن لهن نصيب من السينما ، ولم تتوفر لهنّ المتعة البريئة في السينما إلاّ بعد إنقلاب بكر صدقي عام 1936حيثُ بدأ بعض الصحف من خلال مقالاتها المطالبة بتوفير جو من المرح وكان المحامي (سلمان الشيخ داود ) يتصدر هذا التيار .(55)

في الأربعينيات أصبحت منطقة الباب الشرقي مجمعاً لدور السينما فأقيمت (سينما تاج ) الصيفي (وديانا) الشتوي والصيفي عام 1943، وفي عام 1944 أسست سينما (دار السلام) في شارع الملك غازي محلة قهوة شكر ، وفي عام 1949 افتتحت (سينما النجوم ) في الموقع الذي كانت تحتلهُ وزارة الإعلام السابقة ، وكان مالك هذه السينما هو ( حبيب الملاك) حيثُ بنى هذه الدار لتكون أحدث دار سينما في العراق ولقد كانت خطوة كبيرة في حينها وتخصصت في أول افتتاحها بعرض نخبة من أفضل الأفلام العالمية وقام حبيب الملاك بخطوة جريئة وجديدة آنذاك ، وهي تضييف الفنانين المصريين عند العرض الأول للفيلم العربي في بغداد ، وكان المطربون يقدمون وصلة غنائية قبل عرض الفيلم (56) . ثم أُقيمت سينما الفردوس عام 1947والشرق ثم سينما هوليود في ساحة الطيران . (57)

وفي عام 1946 بُني قدري الأرضروملي (سينما الأرضروملي) في منطقة علاوي الحلة وتُعد أول دار  سينما في جانب الكرخ ، التي تحول اسمها إلى (سينما بغداد) والتي لاتزال قائمة . بينما في منطقة الصالحية افتتحت في تلك الفترة (سينما فيصل ) وفي الجهة المقابلة بُنى الدكتور يوسف القاضي (سينما ريجنت) عام 1949وتقع بالقرب من تمثال الملك فيصل الاول  والتي امتازت بعمارتها البديعة .

وبعد الحرب العالمية الثانية وفي أوائل الخمسينيات وتحديداً عام 1956بُنيت (سينما الخيام ) وكانت هذه الدار الأحدث والأكثر تطوراً ليس في العراق فحسب بل في الشرق الأوسط فقد كانت جدرانها مُحلاة بلوحات فسفورية صُممت خصيصاً في إيطاليا واستوردت كراسيها المتحركة من أميركا .وعلى العموم شهد العراق في فترة الخمسينيات تطوراً نوعياً في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأصبح العمل السينمائي يمتاز بالتنظيم والذوق والتنوع .(58)   

ويظهر بوضوح جسامة النهضة الفنية التي انبثقت في العراق بعد الحرب العالمية الثانية ، وكثرة صالات  العرض المسرحي والسينمائي في جميع أنحاء العراق ، وتنافس الفرق الفنية والشركات السينمائية  المستوردة بتقديم كل جديد ومفيد . واستمر عدد دور السينما في مدينة بغداد بتزايد مستمر حيثُ بلغ  عددها حتى عام 1950 نحو (82) داراً للسينما منها (41) سينما صيفية مكشوفة . ومن الطريف إنّ محافظة الديوانية كانت تضم أربعة دور سينما . بل إنّ أحد الأقضية وهو خانقين قد شهد افتتاح صالة عرض سينمائي . (59) 

ويظهر بوضوح أنّ دور السينما كمحطات ثقافية حُظيت باهتمام كبير من قبل عامة الناس والدولة معاً ،  بدليل إنّ سينما الوطني الواقعة في شارع الرشيد أُعيد تجديدها عام 1952وكانت نقوشها وزخرفتها آية في الجمال (60)، حيثُ قام (نوري سعيد) بافتتاح هذه الدار السينمائية عام 1952يرافقهُ (حبيب الملاك ) صاحب الدار وبقية المدعوين وكان الفيلم العربي المعروض (انتصار الشباب ) بطولة الفنان فريد الأطرش .وما أن إنتهى عرض الفيلم حتى ارتجل نوري سعيد كلمة أشاد بها ببناء الصالة في مدينة بغداد واعتبرها واحدة من المظاهر الحضارية المهمة في البلد التي يتطلع إلى بناء نهضة شاملة في مختلف المجالات ومنها ميدان السينما الذي يعتبر مهماً في تنشيط العملية الإبداعية الثقافية التي يشهدها العراق في مختلف نواحي الحياة .(61)

وفي عام 1954فاتح السيد(حميد النجار) صاحب صالة (سينما مترو) في محلة الفضل بشأن استحصال تشريف الملك فيصل الثاني ملك العراق بافتتاح الدار التي تقع في قلب مدينة بغداد ، وعلى أثره حُدد  موعد الافتتاح . وفعلاً حضر الملك فيصل الثاني والوفد المرافق لهُ وتوجه إلى مكانه المخصص لهُ في إحدى مقصورات الطابق الثاني وجلس إلى جانبه (حميد النجار ) مالك السينما وعلى جانبي المقصورة  إتخذ الوفد المرافق أماكنهم وهم يستمتعون بالفيلم ومتابعة مجرياته . وكان الفيلم العربي الذي عُرض هو (طلاق سعاد هانم) إنتاج عام 1948ومن بطولة الفنانة عقيلة راتب والفنان أنور وجدي وهو من الافلام المصرية الجيدة المستوى . وألقى الملك فيصل الثاني كلمة شكر فيها الجماهير الحاضرة ودعاهم إلى بذل  المزيد من العطاء لبناء العراق ، وبين لهم أهمية التسلح بالعلم والثقافة لما تلعبهُ من دور في حياة  الشعوب والأفراد ، خاصةً السينما التي تحتل موقعاً متميزاً مهماً في جوانب الثقافة وأنشطتها المختلفة (62) 

ومن الجدير بالذكر إنّ الزعيم (عبدالكريم قاسم )رئيس وزراء العراق ارتاد إحدى دور السينما لمشاهدة  الفيلم الهندي ( أم الهند) وكان ذلك عام 1959، والسينما كانت (سينما الخيام) في حينها أفضل دور العرض السينمائية في مدينة بغداد . حيثُ حضر الزعيم (عبدالكريم قاسم) مع أحد مرافقيه فقط وحجز إحدى المقصورات (اللوج) بعد أن ألح على دفع ثمن التذاكر ، وبعد دخوله إبتدأ عرض الفيلم والذي استغرق مدة ثلاث ساعات ولم يخرج (عبدالكريم قاسم) حتى انتهاء عرض الفيلم . (63)  

ويبدو أنّ القطاع الخاص ظلّ منذُ عام 1909 مستورداً وموزعاً للأفلام ولم يحالفهُ الحظ في الدخول إلى  معترك الإنتاج السينمائي وبخصوص فن وصناعة السينما جرت محاولات لم يكتب لها النجاح منها ،  محاولة شركة فوكس لإنتاج فيلم يمثل الحياة الاجتماعية في العراق وتستعرض فيه الآثار التاريخية وكان  ذلك عام 1934 وقد تم مفاتحة الفنان حقي الشبلي حول الموضوع ، ولم يظهر هذا الفيلم وفشل  المشروع ،64) وفي عام 1938 أقدم التاجر المعروف حافظ القاضي على محاولته لإنتاج فيلم سينمائي حيثُ نشرت جريدة (العالم العربي ) ... إنّ السيد مصطفى القاضي وهو شقيق حافظ قد سافر بطيارة إلى إنكلترا لجلب الاجهزة واللوازم تمهيداً لإنتاج الفيلم . إنّ كل هذه المحاولات وغيرها  في تأسيس شركات لهذا الغرض قد أُجهضت قبل أن يوفق أصحابها إلى تصوير اللقطات الأولى لأفلامهم.(65)

وفي الأربعينيات تألفت الشركات التي تولت لإنتاج الأفلام ،حيثُ شرع أصحاب الأموال وأثرياء الحرب  بتكوين الشركات السينمائية في مدينة بغداد وكانت أولها ( شركة أفلام بغداد المحدودة ) وذلك في  أواخر عام 1943 إلاّ أنّ الأنتاج الفعلي للسينما العراقية لم يبرز ويظهر إلاّ بعد انتهاء الحرب العالمية  الثانية .(66) وفي أواسط الأربعينيات تأسست عدة شركات أخرى منها (شركة الكواكب لإنتاج الأفلام السينمائية التجارية ) و(شركة بغداد السينمائية ) و(شركة الرافدين السينمائية ) ولم توفق جميعا في إنتاج أي فلم بسبب جهلها بصناعة السينما ومتطلباتها التي لابد من توفرها أولاً ووسائل ديمومتها واستمرارية إنتاجها .(67) 

وفي عام 1946 تأسست شركة (أفلام الرشيد) وهي شركة عراقية مصرية ، أرادت أن تجمع عناصر من  بلدان عربية يمكن لها أن تكون عناصر فيلم أطلق عليه (إبن الشرق) شارك فيه من العراق (عادل عبدالوهاب) الذي كان يدرس في القاهرة وهو شاب وسيم يحلم أن يكون نجماً سينمائياً وقارىء المنولوجات  الفنان عزيز علي والمطرب حضيري أبو عزيز ، وقد عُرض هذا الفيلم لأول مرة في سينما الملك غازي  في بغداد . (68) ويمكن القول إنّ تجربة فيلم (إبن الشرق) لم تحقق أحلام هواة السينما من العراقيين شيئاً.   أما الفيلم العراقي الثاني فكان بعنوان (القاهرة ـ بغداد ) عام 1947 إنتاج شركة ( سينما الحمراء العراقية  وشركة إتحاد الفنيين المصرية ) كتب القصة يوسف جوهر وحقي الشبلي وأخرجهُ أحمد بدر خان ومثل فيه من العراق حقي الشبلي وإبراهيم جلال وعفيفة إسكندر وفخري الزبيدي وغيرهم .(69)

ويمكن القول إنّ الفلمين (إبن الشرق ) و(القاهرة ـ بغداد) كانا تجربة لخوض عملية الانتاج السينمائي من  جهة والممارسة في حدود وجود الفنان العراقي فيها لاكتساب المعرفة العلمية الأرحب والأغنى . وكانت البداية الحقيقة للانتاج السينمائي في العراق هي تأسيس (ستوديو بغداد) وذلك بإتاج فيلم (علية وعصام) ليكون الإنتاج الاول في السينما العراقية من شركة عراقية وفنانين عراقيين مع خبرة متطورة هو المخرج الفرنسي (أندريه شوتان ) ومدير التصوير الفرنسي (جاك لامار) ومعهم كاتب القصة والسيناريو والحوار (أنور شاؤول) ، التمثيل إبراهيم جلال ، عزيمة توفيق ، سليمة مراد ، جعفر السعدي، وعبدالله العزاوي ، ليعرض في 13/ أذار / 1949 في سينما روكسي ، وأن يصبح هذا اليوم عيد ميلاد السينما العراقية .(70)

وفي فترة الخمسينيات ظهرت عدة أفلام سينمائية عراقية . وكان أول مخرج عراقي هو (حيدر العمر) فقد

كان كاتب سيناريو ومخرجاً حيثُ أخرج فيلم (فتنة وحسن) الذي عُرض عام 1955 . (71) وبعد ذلك أنتجت  (شركة سومر) للسينما المحدودة الفيلم الروائي (من المسؤول) عام 1957 ،وهنالك فيلم (نبوخذ نصر) عام 1957 إنتاج (شركة شهرزاد) للأفلام السينمائية الملونة ، أما فيلم (سعيد أفندي ) فكان عام 1957 وكذلك فيلم (إرحموني ) عام 1957 ، أما فيلم (عروس الفرات ) فكان عام 1958 .(72)   

وعلى العموم نستطيع القول إنّ الإنتاج السينمائي في العراق مرّ بفترة من الارتباك والخيبة والتلكؤ ، ويعود هذا إلى أنّ نشوء السينما العراقية لم يكن قد قام على أسس متينة . ففي البداية اعتمدت مجاميع الشباب السينمائي على شركات أو مؤسسات من الهواة ، وعلى الإنتاج المشترك أو على استيراد الخبرات الأجنبية المحدودة ، مما جعل أمر الإنتاج السينمائي منوطاً بالمبادرات الشخصية القليلة . ويمكننا أنّ نعتبر فيلم (علية وعصام) عام 1949 أول محاولة محلية حقيقية للإنتاج السينمائي ، كما يمكننا أن نعتبر عام 1955 بداية الإنتاج المحلي المحض إذ أثمرت في ذلك العام الجهود الفردية للشباب المتحمس في إنتاج فيلم (فتنة وحسن) . وقد شجعت هذه المبادرة عدداً من السينمائيين العراقيين الذين أكملوا تحصيلهم الدراسي في مجال السينما وهكذا ظهرت أفلام عراقية عديدة مثل ( ندم ، وردة ، تسواهن ،عروس الفرات ، من المسؤول ، إرحموني ، الدكتور حسن ، وسعيد أفندي ... الخ ) . وبدأت تلوح في الأفق أعمال جادة تمثل فترة جديدة في تاريخ السينما العراقية إتصفت بانتاج تلك الافلام التي نستطيع أن نقول إنها حاولت إلى حدٍ ما تلمس الواقع الاجتماعي من خلال عرض البعض من مشكلاته . (73) وعليه فإنّ تاريخ السينما العراقية تاريخ جميل بالرغم من قلة الافلام العراقية من ناحية الإنتاج ، لكنها ظلت في بال المشاهد العراقي سنوات طويلة وعُرضت كثيراً ولاقت رضى الجمهور .

ـ حبيب الملاك ـ إسم يعرفهُ كل من عمل في مجال السينما في العراق وفي مصر خلال سنوات الخمسينيات  والستينيات ، إنّ الرجل أعطى السينما في العراق أكثر مما أعطاها أي فنان عمل بها ، وأصبح تاريخاً سينمائياً في مجالات عديدة مثل استيراد الأفلام وبناء وإدارة دور السينما والمساهمة في إنتاج الافلام العراقية . ففي نهاية الخمسينيات كان يدير مايقرب من خمس وثلاثين داراً للسينما في بغداد والبصرة والموصل وكركوك وأربيل والعمارة والناصرية والحلة وبعقوبة والحبانية . ولكن محبي السينما سيذكرون هذا الرجل دائماً لأنهُ كان فناناً قبل أن يكون تاجرا وجعل دار السينما آنذاك مكاناً جميلاً ترتاح فيه العوائل وتجد فيه المتعة والثقافة في جو نظيف .(74) وكان حبيب الملاك يردد دائماً ... أنهُ كان الوحيد من بين القليلين الذين بدأوا العمل في السينما من غير اليهود ، الذين كانوا أكثر من غيرهم حيثُ أنشأوا دور السينما الأولى في البلاد ، لذلك كان عملهُ اختراقاً لهذا الحاجز ، الذي كان محتكراً من قبلهم فقط .(75) 

ويشير الأستاذ أحمد فياض المفرجي  الى... أنهُ بات من المؤكد أن هناك أكثر من هاوٍ عراقي وفق في الظهور في عدة أفلام عربية وأجنبية أُنتجت في أواخر الثلاثينيات ومطلع الأربعينيات ، يقول المفرجي (إنّ  جوسوانسون ) هو اسم مستعار لمعلم في مدرسة العوينة الابتدائية في الثلاثينيات وقد استطاع السفر إلى  أوروبا ليتعرف على بعض العاملين في السينما والمشاركة معهم في تمثيل أدوار (الكومبارس) تحت الاسم

المستعار نفسه . وهنالك (نزهت العراقية) التي اشتركت ضمن كومبارس فيلم (العزيمة) الذي أخرجهُ  كمال سليم وهو من الأفلام المصرية الواقعية التي مازالت تحتفظ بشهرة في الأوساط الأكاديمية المعنية بالسينما . (76)

ويمكن القول إنّ فن السينما قد تحقق بعد أن استوعب العناصر المأخوذة من الفروع المختلفة للمعرفة  الإنسانية وتجاربها ، والأمر الذي صنع السينما كفن هو إنها محصلة تركيب مبدع لكثير من الفنون  الأخرى . وقد تميزت السينما ـ رغم حداثتها ـ على المسرح منافسها العتيد والذي لهُ أعظم الفضل بوجودها وذلك لكون السينما لايقتصر مجهودها على سرد القصص والروايات بل لها مكانة كبيرة في ميداني العلوم والفنون . لأن القيمة التعليمية في الصورة أقوى منها في الكتابة والقراءة . وهكذا أصبحت السينما أقوى فن معبر وأشد الفنون تأثيراً في الجمهور وأكثرها قدرة على خدمة الجمهور وبالتالي تأثيرها على عموم الحياة الاجتماعية كونها أداة فاعلة لنشر الدعاية والثقافة . 

 

الهوامش والمصادر في الجزء الثاني من هذا البحث .

 تنبيه

 لايُسمَح لأية صحيفة ورقية او موقع ألكتروني او مدونة او موقع شخصي او صفحة تواصل اجتماعي بإعادة نشر موضوعات او صور مجلة "الموروث" من غير إدراج اسم كاتب الموضوع وكذلك اسم المجلة بصفتها مصدرا ، عملاً بضوابط الملكية الفكرية والأمانة الصحافية.