Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

             

 

النافذة المفتوحة

 تاريخ النشر : 9 / 7 /2018

  

  

أمكنة

(مراجيح  الحسينية )

 ـ برهان المفتي

 

خاص بـ "الموروث"

 بعد العودة من صلاة العيد، والتجمع حول مائدة أكلة العيد المميزة ( الطرشانة والفاصولياء اليابسة والتمن باللحم واللوز والكشمش )، يبدأ الآباء بزيارة الجيران حيث تكون الأبواب كلها مفتوحة ولا ضرورة للإبلاغ بالزيارة، بينما تكون الأمهات مشغولات بترتيب الأطفال والبنات دون المراهقة أو في بدايتها للذهاب إلى اراجيح (مراجيح الحسينية ) برفقة الأب ، حيث أنّ وجود الأب ضرورة في التدافع والإزدحام للحصول على فرصة الصعود في لعبة ما.

فتلك البقعة العجيبة والتي كنا نسميها ( حسينية بايرامى - مراجيح عيد الحسينية ) كانت مهرجان فرح مزدحماً متلاطم الألوان والأصوات والضحكات ، رجال بأناقة رسمية بالرغم من أن المكان غير مبلط بل على أرضية ترابية ، بنات بمشاكسات المراهقة يحاولنَ أن يظهرنَ أنهنّ كبيرات بملابس أكبر من عمرهنّ ، وبعض الأولاد المشاكسين الذين فضّلوا المراجيح على أفلام جوليانا جيما وبود سبنسر وترانس هيل ، بينما هناك قسم من الفتيان والأولاد الكبار يستعرضون أنفسهم أمام البنات المراهقات في الصعود إلى أرجوحة  (مرجوحة) عالية وخطرة جداً كنا نسميها ( گوت تختاسى - القعادة ) ، وهي (مرجوحة) عجيبة عالية ، كانوا يصعدون إليها من فوق كرسي حديدي ، يتحكم شخصان بحركة (المرجوحة) فيقفان على جانبي المقعد يمسك كل واحد منهما بنهاية أنبوب مطاطي ( صوندة ) لكي يمنعوا دوران المقعد براكبه على محور عتلة المرجوحة ، بل أنّ بعض الآباء كانوا ينسون هندامهم الرسمي فيحاولون إظهار شجاعتهم أمام أطفالهم ، هكذا كنا نظن ، لكن كانوا يفعلون ذلك كلما شاهدوا نسوة يقدنَ أطفالهنّ ربما في غياب الأب لسبب ما.

كانت (مراجيح الحسينية ) مرغوبة من أهالي كركوك لمساحتها الواسعة ولأنّ فيها أعلى دولاب هواء في كركوك ( قبل وجود مدينة الألعاب ) كما أنّ فيها أطول سكة لقطار عجيب كنا نقف في طابور طويل للصعود فيه ، كما كان هناك مرجوحة خشبية صندوقية الشكل ( صلانقوچ ) كنا نجلس في داخلها، بينما البنات الكبيرات يصعدن على طرفيها مستمتعات بأن ترتفع تنوراتهنّ مع الهواء كلما صعدتْ ونزلتْ (المرجوحة). وفي أماكن معينة كان بعض الفتيان الكبار يلعبون القمار وخاصة الروليت، وبعضهم متجمعون حول طاولة قمار النرد ( اللگو ).

أما تسمية المكان بالحسينية فتلك بسبب وجود حسينية خزعل التميمي هناك، وكانت أكبر حسينيات كركوك في ذلك الوقت، وكنا ندخلها بعد تعب اللعب فنغسل وجوهنا المتربة ونشرب الماء من (حِبّ فخاري) موضوع تحت شجرة توت عملاقة في حوش الحسينية، ونخرج بعد قراءة الفاتحة على روح خزعل التميمي دون أن نعرف مَن هو !

توالت الأيام، زحف الشيب بسرعة على الآباء حزناً على أبناء توجهوا للحرب، بينما نسيتْ الأمهات ألوان العيد، وكَبُرت البنات بسرعة، واختفى صوت القطار، واستمر دوران دولاب الهواء فارغاً باستمرار دورة القدر هناك، أما الحسينية فقد أصبحتْ خلف المديرية العامة للأحوال المدنية ، وأنشئتْ دائرة مركز شرطة مواجهة تماماً لمدخل الحسينية.

 

الصور : أراجيح كركوك سنة ١٩٥٠

 

تنبيه

 لايُسمَح لأية صحيفة ورقية او موقع ألكتروني او مدونة او موقع شخصي او صفحة تواصل اجتماعي بإعادة نشر موضوعات او صور مجلة "الموروث" من غير إدراج اسم كاتب الموضوع وكذلك اسم المجلة بصفتها مصدرا ، عملاً بضوابط الملكية الفكرية والأمانة الصحافية.