Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

             

 

النافذة المفتوحة

 تاريخ النشر : 25 / 11 /2018

  

   

صورة وذكرى 

مع بائع الكتب في سوق السراي 

عبد الجبار العتابي

 

 خاص بـ "الموروث"

 يرجع تاريخ الصورة الى صيف عام 2008 ، مع بائع الكتب في سوق السراي احمد حسين (ابو علي) (1925 - 2014) .

حكاية الصورة أنني حاولت أن اجري معه حوارا صحفيا ، لأنه يمثل ظاهرة ، لاسيما انني اعرفه منذ نهاية السبعينيات في المكان ذاته بهذه المساحة الضيقة من شارع سوق السراي الضيق ، لم يتزحزح من البقعة التي يجلس فيها وينثر عليها اشياءه ، الاّ بمقدار تحوله من هذه الجهة الى تلك التي مقدار المسافة بينهما اقل من مترين ، وفقا لأصحاب محال الصاغة ، وقد استغل غياب احدهم الطويل فجلس في مكانه طويلا ، ولم تتغير احواله ولا جلسته على الارض وهو يفترش قطع من (الكارتون المقوى) وتحيط به الكتب والمجلات باللغات المختلفة ،مرتبة ومبعثرة، كان يبالغ في الاسعار لكنه يتنازل شيئا فشيئا ، والغريب أنه يعرف قيمة الكتب ، فمن غير الممكن ان يبيع كتابا لكاتب مشهور بسعر بخس ، ولا اخفي انني فوجئت حين علمت منه انه لا يقرأ ولا يكتب!!، وهو امر مثير للغاية ،ويدعو للتساؤل : كيف له ان يعرف هذه الكتب ؟ احيانا اقول عن خبرة به انه يبيعها طبقا للسعر الذي اشتراه فيها وحجمها، او ربما بتوصية الذي يبيعونه الكتب من ان سعرها لايقل عن كذا مبلغ، كان يساعده شاب ،اعتقد انه ابن اخته، يسكن في حي العامل ، لم اعد اراه منذ الثمانينيات ، بينما ابو علي يسكن في فندق بائس بمنطقة ساحة الشهداء، وكان يعاني صعوبة في الذهاب والاياب وهو يعبر الجسر .

في الحوار .. سألته عن شهادته الدراسية فأجاب ساخرا: (انا خريج كلية الزراعة ولكن لعدم وجود زراعة تركتها)، وبعد لحظات يقول: انا لا اقرأ ولا اكتب ولكن لدي ممارسة طويلة في بيع الكتب واعرف الكتب الجيدة من غير الجيدة، والمطلوبة من غيرها، اعرف هذا بحدسي ومن حركة السوق، لم استطع ان استخرج منه الكثير ،فهو (يشلع) القلب ، الاّ حين قلت له سيقرأ المسؤولون الحوار وينظرون في حالته !!، فهو بطبعه قليل الكلام خاصة في مسألة الاخذ والرد في الشراء، مرة واحدة واذا ما يعجبك غادره، واذا ما لححت عليه يقرر عدم البيع !!، لكنه مع (العرف) يتساهل قليلا ، انا كنت ازعجه واستفزه وكان اذ يقرر ان لا يبيعني شيئا فقراره نافذ، حتى وان كان بالسعر نفسه .

ليست له علاقة بالدنيا ولا يرتبط بها الاّ من خلال ابنه الشاب الذي يبيع بالقرب من المرطبات، وثمة ترابط غريب بين الاثنين، ترابط انساني محزن ومثير للغاية، وهو ان الابن مصاب بالصرع وهو لايقوى على الحركة والمشي الاّ بالاتكاء على كتف ابيه، فهو يستفيد من قوة ابيه ليستند عليها، فيما الاب يستفيد من عينيّ ابنه لتدله على الطريق في الذهاب والاياب من والى سوق السراي.

يجيء في الساعة الثامنة صباحا ويغادر في الثانية ظهرا، ويترك كتبه في مكانها ، يغطيها بقطع الكارتون ويهب فهي في امان!!.

رحمه الله ..

تنبيه

 لايُسمَح لأية صحيفة ورقية او موقع ألكتروني او مدونة او موقع شخصي او صفحة تواصل اجتماعي بإعادة نشر موضوعات او صور مجلة "الموروث" من غير إدراج اسم كاتب الموضوع وكذلك اسم المجلة بصفتها مصدرا ، عملاً بضوابط الملكية الفكرية والأمانة الصحافية.