Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

             

 

النافذة المفتوحة

 تاريخ النشر : 21 / 2 /2019

  

    

رأي

 البنية التكوينية في نص قانون حمورابي

 د.هاشم عبود الموسوي

 

خاص بـ "الموروث"

 بعد قراءتي المتمعنة لقانون حمورابي ، قفز الى ذهي السؤال الآتي : ما السر في تنوع أساليب كتابة هذا القانون ؟ ومن أجل أن أجد الجواب ، فقد قمت أولا بتسجيل الملاحظات الآتية :

من المعروف أن نظام دويلات المدن هو الذي كان سائدا في العراق قبل عهد حمورابي . وأن تلك الدويلات كانت تخوض حروبا مستمرة فيما بينها ، مما أدى الى إختلال الحياة بكل مرافقها ، لا سيما الأمنية منها ، حيث عمت الفوضى ، وانتشر قطاع الطرق واللصوص ، وبمرور الزمن سيطرت بابل لا سيما في عهد حمورابي (1797-1750) ق.م على حميع دويلات المدن في العراق القديم . حيث ظهرت دولة موحدة سياسيا ودينيا ، ثم استكملت بوحدة قانونية بصدور قانون حمورابي المشهور باللغة الأكدية وأن شريعة حمورابي طبقت في جميع في حميع أنحاء الدولة الأكدية ، وبذلك أصبحت وسيلة لتوحيد عادات وأعراف السومريين و الأكديين .

ولكن السؤال المحير لمن يقرأ نص القوانين المكونة من 282 مادة قانونية تليها الخاتمة يجدها مكتوبة بأسلوب علمي كما هي الحال في القوانين الحديثة وبذلك تجنب الأسلوب الشعري الذي جاء به قانون مانو الهندي وقانون الألواح الروماني ، كما يمتاز بوضوح عباراته وصيغة القانون .

في حين أننا نجد المقدمة كتبت  باسلوب أدبي رائع أقرب الى الشعر منه الى النثر . تناول فيها حمورابي الأسباب الموجبة التي دفعته الى إصدار قانونه ، كما تناول تمجيد الآلهة التي اختارته لنشر العدالة فيقول آنذاك أسمياني الإلهان آنو و إنليل باسمي حمورابي . الأمير التقي الذي يخشى الآلهة لإوطد العدل في البلاد ، ولأقضي على الخبث و الشر . لكي لا يستعبد القوي الضعيف . ولكي ينير البلاد من أجل خير البشر. أنا حمورابي الراعي المصلح الورع المنقذ لشعبه من البؤس . الذي ساعد في إظهار الحق . المنتصر على المشاغبين . وضعت القانون بلسان البلاد لتحقيق خير الناس . ثم يستعرض حمورابي كل ألقابه وأعماله العسكرية و العمرانية ، وطاعته و تقواه .

هنا شد إنتباهي بأن إستخلاص النسق ألثقافي المضمر في هذه المقدمة والذي تم إختياره لأنه له قابلية جماهيرية شعبية ، وهو يقوم بخدمة القيم الإنسانية ، وخدمة الإنسان كيفما كان مستواه الاجتماعي والطبقي والعرقي والإثني .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل أراد كاتب هذا النص أن يميز بهذه المقدمة بين العمومي والخصوصي .

وفي يومنا هذا عندما تقدمت الدراسات في حقل الثقافة و ظهور نظرية الإتساق المتعددة من خلال الربط بين ما هو ثقافي ومجتمعي و البحث عن مجمل العلاقات الموجودة بين النسقين ، ضمن رؤية جدلية تفاعلية أو تماثلية . وهذا يعني لديّ بأن حمورابي قد إهتم منذ ذلك الزمن السحيق بسوسيولوجيا الثقافة على وفق نظرياتنا الحديثة للأنساق المتعددة أو ما نسميه اليوم بالبنية التكوينية .

تنبيه

 لايُسمَح لأية صحيفة ورقية او موقع ألكتروني او مدونة او موقع شخصي او صفحة تواصل اجتماعي بإعادة نشر موضوعات او صور مجلة "الموروث" من غير إدراج اسم كاتب الموضوع وكذلك اسم المجلة بصفتها مصدرا ، عملاً بضوابط الملكية الفكرية والأمانة الصحافية.