Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

             

 

النافذة المفتوحة
 

تاريخ النشر : 31 /10 /2017


 

 

 

رأي 

التغير المكاني للمدن المقدسة في العراق القديم 

د. باسم محمد حبيب 

خاص بـ "الموروث"

 

تاريخ النشر :

على الرغم من الطابع الإسلامي لمدينة النجف العراقية المقدسة إلا أنها في الواقع نتاج تطور محلي لمفهوم المدينة المقدسة كما عرفتها حضارة بلاد الرافدين ذات الخلفية الدينية ، إذ شهد العراق وعبر مختلف المراحل التاريخية ظهور مدن مقدسة عدة ، اقدمها ( اريدو ) الواقعة جنوب مدينة الناصرية بعمر يصل إلى 5000 آلاف سنة قبل الميلاد ، بصفتها مقرا لعبادة الإله (أبسو ) (إله المياه العذبة ) ، الأب الأعلى لآلهة العراق القديم ، هذا قبل ان يحل محله الإله (أنكي) ( أيا ) إله المياه الجارية ، ثم حلت الوركاء محل اريدو كمدينة مقدسة في عصر حضارة الوركاء حدود النصف الثاني من الالف الرابع قبل الميلاد ، بعد أن حل الإله (أنو ) إله السماء محل الإله أنكي في زعامة الآلهة ، قبل أن يشاركه ( انليل ) المنزلة وهو إله الهواء في العراق القديم ، الذي واكبت زعامته ظهور عصر فجر السلالات السومرية ( 3000 - 2400 ق.م ) ، مرحلة نضج حضارة بلاد الرافدين ، وهو العصر الذي شهد تحول مدينة نفر في محافظة الديوانية إلى مدينة مقدسة ، على الرغم من استمرار منزلة الإله أنو كـ كبير للآلهة ، لكن تغييرا كبيرا حصل بعد سقوط سلالة أور الثالثة في نهاية الالف الثالث قبل الميلاد ، وذلك بتحول الزعامة السياسية من السومريين إلى الساميين ، إذ رافق ذلك انتقال المدينة المقدسة إلى الشمال من مدينة نفر ، حيث مدينة بابل العاصمة السياسية للبلاد ، بعد ان اصبح إلهها مردوخ ممثل الآلهة الكبار في إدارة البلد ، فكانت بابل وعلى مدى ألفي سنة مدينة دينية وعاصمة سياسية للبلاد في الوقت نفسه ، حتى انتقل مركزها إلى مدينة النجف التي مثلت آخر مدينة مقدسة شهدها العراق ، لكونها تضم اضرحة عدد من الانبياء إلى جانب ضريح الأمام علي بن ابي طالب ذي القدسية الكبيرة لدى الشيعة .

ومن ثم نجد ان انتقال صفة القدسية من مدينة إلى أخرى ارتبط دائما بعاملين مهمين هما : التغيير السياسي والازدهار الاقتصادي ، فبعد ظهور سلالة اريدو اول سلالة حاكمة في العراق القديم ، تحولت هذه المدينة إلى مدينة مقدسة ، إذ لعب العامل الاقتصادي دورا كبيرا في ازدهارها لتوسطها الاراضي الخصبة ووجود منفذ لها إلى البحر ساعد في نموها التجاري وتطورها الاقتصادي ، إلا أن إنحرافها عن مجرى الأنهار أدى إلى اندثارها ، لتحل محلها مدينة الوركاء العاصمة السياسية والاقتصادية الجديدة ، التي مالبثت إلى فقدت القدسية لصالح مدينة نفر مقر عبادة الإله انليل ، بعد ظهور مشكلة الملوحة في منطقة الجنوب وانقسام البلد إلى وحدات سياسية مستقلة ، الأمر الذي فرض ان تكون لها مدينة مقدسة تقع في الوسط لتشرف على الوحدات السياسية المحيطة بها ، ثم تحولت القدسية إلى بابل بازدياد ملوحة الارض الجنوبية ، وتحول العاصمة السياسية والاقتصادية ، إلى مدينة بابل التي بقيت مسيطرة على زمام السيطرتين السياسية والدينية إلى أمد طويل ، إلى أن جاء الإسلام فكان إيذانا بظهور مدينة مقدسة جديدة ليست بعيدة عن مدينة بابل التي حل الخراب بها لأسباب سياسية واقتصادية ، فكان لقرب مدينة النجف من مدينة الكوفة عاصمة العراق آنذاك الآثر الأكبر في إنتقال صفة المدينة المقدسة إليها أو إلى نواحيها المتمثلة بمدينة النجف .

تنبيه

 لايُسمَح لأية صحيفة ورقية او موقع ألكتروني او مدونة او موقع شخصي او صفحة تواصل اجتماعي بإعادة نشر موضوعات او صور مجلة "الموروث" من غير إدراج اسم كاتب الموضوع وكذلك اسم المجلة بصفتها مصدرا ، عملاً بضوابط الملكية الفكرية والأمانة الصحافية.