طير
السعد
تاريخ النشر:
24 /4 /2018
طير السعد
أسماء محمد مصطفى
النبيلة نبيلة
خاص بـ "الموروث"
هكذا اسميتها النبيلة نبيلة بلا ألقاب في العنوان ، والسبب
إننا نعتز باسم الانسان قبل لقبه العلمي حين تكون شخصيته علامة
مضيئة في حياته وبما تشع به على حياة الآخرين بأخلاقها ومن ثم
علميتها وبذلك يضفي الاسم ألقاً الى اللقب وليس العكس . كذلك
هي العَلَم الكبير ، المؤرخة والمحققة ، الأستاذة نبيلة عبد
المنعم داود الملقبة بفارسة التراث والتي تتلمذ على يديها
الكثيرون من طلاب العلم ممن يشهدون على نبل خلقها ومبدئيتها
الاخلاقية والعلمية معا ، وقد تصدت بهذه الاخلاق الراقية
والعقلية الكبيرة للهجمات التي تعرضت اليها من ذوي النفوس
الضعيفة ممن أغاضهم أن تكون امرأة في هذه المكانة المتقدمة
وتحظى بكل هذه الحفاوة والمحبة من الآخرين لما تكتنزه من خلق
وعلمية ، وهي التي تواصل مهامها التعليمية رافضة التقاعد
متمسكة بالعمل الذي تحبه .
ولدت النبيلة سنة 1937 في بيت يحترم الثقافة والمكتبة ، ودرست
علمي التاريخ وتحقيق المخطوطات والتراث على أيدي أساتذة كبار
كالدكاترة عبد العزيز الدوري وعبد الرزاق محي الدين وطه باقر
وفيصل السامر وأحمد حسن الرحيم وصالح أحمد العلي وحسين علي
محفوظ و حسين أمين.
نالت النبيلة شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي ، وترأست
مركز إحياء التراث العلمي العربي في جامعة بغداد ، وقبل ذلك
عملت أمينة مكتبة الدراسات الإسلامية ، ومعيدة ومن ثم مدرسة في
كلية الآداب – قسم التاريخ ، ومدرسة في كلية التربية (ابن رشد)
قسم التاريخ ، وأستاذ مساعد في كلية التربية (ابن رشد) قسم
التاريخ ، وباحثة في مركز إحياء التراث العلمي العربي – جامعة
بغداد ، وقامت بتدريس التاريخ العباسي ومنهج البحث التاريخي
والدويلات الاسلامية والتاريخ الاندلسي .
كما إنها عضو في مجلس ادارة المركز للمدة من 1983 ـ 1990 ،
ورئيس مجلس ادارة المركز منذ 1990 حتى 2009
، ورئيس تحرير مجلة
مركز احياء التراث العلمي العربي
، وعضوة في هيئة (هيأة) موسوعة بغداد التي يعدها المركز
، وخبيرة في
المجمع العلمي العراقي حتى 2003
، عضوة في فرع
تاريخ العلوم / المجمع العلمي العراقي – 2003
، وامينة سر
الجمعية العراقية لتاريخ الطب للمدة من 1989 – 2009
، وعضوة في جمعية
الأكاديميين العراقية ، والجمعية العراقية للتاريخ والآثار ،
وإتحاد المؤرخين العرب ، وجمعية العراق الفلسفية ، ومقررة
لجنة إحياء التراث العربي الإسلامي في بيت الحكمة للمدة من
1997م – 2003 .
ألفت الكثير من الكتب المهمة ـ تجاوز عددها الـ 13 كتابا فضلا
عن كتب تحت الطبع ـ ولايمكن لأي باحث او مهتم بالتراث والتاريخ
ألا يتوقف عندها ، كما إن هناك العديد من الكتب التي صدرت عن
مسيرتها ومنهجها التاريخي ، فضلا عن إنجازها أكثر من 57 بحثا
منشورا ، و62 بحثا معداً للإلقاء في ندوات ومؤتمرات داخل
العراق وخارجه .
حازت على الكثير من كتب الشكر والدروع والأوسمة على المستويين
المحلي والعربي ، منها : درع جامعة بغداد تكريما لها لحصولها
على مرتبة الاستاذ الاول على المراكز العلمية سنة 1993 ، ووسام
جامعة بغداد لحصولها أيضا على مرتبة الاستاذ الاول على المراكز
العلمية سنة 1994 ، ووسام المؤرخ العربي من إتحاد المؤرخين
العرب سنة 2005 ، وشهادة الدكتوراه الفخرية من إتحاد المؤرخين
العرب سنة 2005 ، فضلا عن جائزة أفضل مؤرخ في التاريخ الإسلامي
.
وعن نهج النبيلة ورؤيتها للتراث وأهمية إحيائه قرأت للدكتور
عبد الله العتابي أنها تعتقد بأن التراث عموما قضية موروث وصل
الينا من الماضي ، وهو بهذا المعنى مخزون مادي وقضية معطيات
حضارية ونقطة بداية لمسؤوليتنا الثقافية والحضارية أيضا ،
وقضية مثارة في عصرنا حيث يكون الحديث عن إحياء التراث ونشره
وتحقيقه لأن نهوض الامة وتقدمها لا يكون إلا بالاعتماد على
إحياء التراث ، لأنه الاصل الذي يرجع اليه في بناء الحاضر مع
إضافات العصر والمثل الذي يحتذى به في بناء الجيل الجديد. ومن
أبرز الاسس التي تستند اليها في بناء مستقبلنا هو الاخذ بالعلم
مع الاحتفاظ بالمقومات السليمة التي أتاحت لنا في الماضي
الحياة الرفيعة والبقاء والازدهار . وقد اقتضت التطورات
العظيمة التي حدثت في تقدم العلوم والتقنية في الغرب أن نعتمد
في دراسة العلوم على ما تم في الغرب ، وتبع هذا إعجاب عام
بالمنجزات التي حققها الغرب وحده. ولعل ما أتاح لهذا التصور
الخاطئ الانتشار إن كتب العلم بالعربية لم تنشر ولم تدرس إلا
قليلا لاستعمالها مفردات خاصة ، ولأنها تعبر عن المعارف في
العصر الذي كتبت فيه . كما ذكر العتابي أن الأستاذة نبيلة تؤمن
بأنّ الواجب المحتوم على أهل الاختصاص هو نشر ودراسة كتب
العلوم العربية وبشكل خاص العلوم الصرفة والتطبيقية وليس فقط
الجوانب الانسانية من التراث ، وان يبرزوا السبق العلمي
للعلماء العرب والمسلمين والنتائج التي توصلوا اليها في هذا
المجال وتصحيح الإسنادات الخاطئة الى غير العلماء العرب
والمسلمين والعودة الى التراث العربي الإسلامي ، وبث الوعي
بالتراث والحضارة الإسلامية لخلق جيل واع ومؤمن بهذه الحضارة
ودورها في خدمة الإنسانية .
وترى الأستاذة نبيلة ضرورة لدراسة تاريخ العلم وتطوره في
الماضي ومامر به من أحوال وتبدلات بصفته عملية عقلية من نتاج
الفكر البشري ، أي أنه يتطلب الى جانب الاختصاص عقلية تاريخية
تصوغ أحكامها تبعا للأهمية التاريخية للحقائق ، بمعنى أن يضع
الباحث نصب عينيه أحوال الماضي ولا يصدر أحكامه مقتصرا على
التطورات المعاصرة .
كما أطلعت على رأي للدكتور علي حداد أشار فيه الى أن الأستاذة
نبيلة لم تنشغل بالوجهة التقليدية للدرس التاريخي والتي تعني
مراجعة الوقائع الماضية وأخبارها، من خلال تبويبها، واستعادة
ماقيل عنها كما إنها لم تنشغل بتحقيق النص التراثي لمجرد أنه
قديم ، أو لأنه مما تجده بين يديها متوافراً ، وإنما كانت
لشخصيتها مساحة رحبة من التأمل الحصيف والوعي المتمكن من تخيّر
وجهة خاصة في المجالين ، ليتمثل ذلك في العمل على ما توافرا
عليه من انجازات ذات سمات اجتماعية وحضارية دالة على العصر
الذي تنتمي إليه، بقيمه وممارسات أهله والمنجز الحضاري المادي
الذي خلفوه ، حيث توجهت ـ في دراساتها التاريخية وتحقيق
المخطوطات نحو الجوانب العلمية والاجتماعية التي رسمت المشهد
البارز لمتحقق الحضارة العربية الإسلامية ، سواء أكان ذلك في
دراساتها عن تاريخ المدن الإسلامية، أم في انشغالها المتسع
بإبراز المتحقق العلمي في حقول العلوم الصرفة ـ من طب وصيدلة
وكيمياء وفلك، وعلم نبات وحيوان وطبيعة وبيئة ـ أوفي المعارف
والممارسات المتعلقة بتفصيلات الحياة الإنسانية ومظاهرها في
أنماط العيش وآداب السلوك والتعامل ووسائل الكتابة وطرائق
التعليم ، وكل ما من شأنه أن يشخص في الفضاء الحضاري الذي تحقق
لإنسان تلك الأزمنة في تعاملاته اليومية وبيئته وسكنه ومأكله
ومشربة أن ينتجه ويوطد وجوده الإنساني عليه.
|