آراء النخبة الثقافية بالحملة
حملةُ ثقافةِ المحبة ِوالسلامِ تعززُ التعايشَ وتكرّسُ التنوعَ
الثقافي في العراقِ
رسام الكاريكاتير تميم التميمي ـ العراق، بغداد

نحن شعب عريق، يتميز بفسيفسائه النادر من القوميات المتحابة
والمتداخلة في نسيج متين متجذّر في عمق التاريخ. ونادراً ما تجد
قومية مكوّنة من جذور موحَّدة بالعرق واللغة، فالأنساب جعلت
التركيبة كالبستان المتنوّع الأشجار، الكثير الثمار، بألوان شتى
وأطعم حلوة كحلاوة الوطن. وقد أنشد الفنان أحمد الخليل، رحمه الله،
واصفًا حبّه للوطن، فقال:
"من تهب أنسام عذبة من الشمال، وعلى أطراف الهور يداعب نسيم، ولو
عزف على الناي راعٍ من الشمال، على الربابة يجاوبه راعٍ من
الجنوب".
كنا نعيش في سبعينيات القرن الماضي في أحد أحياء العاصمة، حيث
يتجاور الكردي مع المسيحي، والصابئي مع مختلف المذاهب. ورغم
اختلافها، كان كل شخص يحترم معتقد الآخر. وفي الشارع نفسه، كان
التركماني يتجاور مع الفيلي، والعربي الجنوبي مع الشمالي، والغربي
مع الجنوبي، في حب واحترام عظيمين. وكنت طالبًا، فإذا لم يعجبني
طعام والدتي تناولت غيره في بيت من بيوت الجيران، سواء كانوا
مسيحيين أم صابئة أم مسلمين. الجميع كان يتحدث لغة واحدة هي لغة
المحبة، وتجمعنا الزيارات والمناسبات والواجبات، ونشترك جميعًا في
الأفراح والأحزان كعائلة واحدة، وكان السلام عنوان العيش.
ومن هذا المنطلق، أجد أنّ حملة ثقافة المحبة والسلام التي تعمل
عليها دار الكتب والوثائق بالتعاون مع مجلة سماء الأمير
الإلكترونية الرقمية، تعزز أهمية احترام التنوع الثقافي والتعايش
بين المكوّنات والأطياف تحت راية العراق الواحد. فهذه الحملة لا
تُعد مجرد نشاط ثقافي، بل هي مشروع وطني يذكّر الأجيال بتراث
التآلف الذي ميّز مجتمعنا، ويعيد إحياء قيم التسامح وقبول الآخر.
إنّها مبادرة تسهم في ترسيخ ثقافة الحوار بدل الصراع، والاحترام
بدل التناحر، وتعيد الاعتبار إلى مفهوم المواطنة الحقيقية التي
تتجاوز حدود الدين والعرق والطائفة.
كما أنّ الحملة تضع أمام المثقفين والباحثين والإعلاميين مسؤولية
كبيرة في نشر هذه الرسالة، وتحويلها من شعارات إلى ممارسة يومية في
المدارس والجامعات والبيوت ودوائر العمل. فحين تُغرس ثقافة المحبة
والسلام في النفوس، تصبح أساساً لبناء مجتمع متماسك، قادر على
مواجهة التحديات وتجاوز الأزمات، وفتح أبواب المستقبل أمام أجيال
تحلم بوطن يسوده العدل والطمأنينة والوحدة.
|