آفاق
تاريخ
النشر:
31 / 10/ 2017
قرّاء القصص أكثر قدرة على فهم الآخرين
نهى الصراف
تاريخ النشر :
في الغالب، يتهم الأفراد الذين يقضون أوقات فراغهم في قراءة
الكتب أو في دسّ أنوفهم بين دفتي كتاب، بكونهم غير اجتماعيين
ويميلون إلى العزلة، لكن قراءة الكتب على العكس من ذلك، تجعل
من الناس كائنات ودودة مرهفة الحس. هذا ما توصلت إليه نتائج
دراسة حديثة أفردت مقارنة ظريفة بين الأشخاص الذين يدمنون
القراءة والأشخاص الذين يتسمرون طوال الوقت أمام شاشات
التلفزيون.
*****
أكدت دراسة حديثة أن قرّاء الأدب القصصي، يتصرفون بطريقة
اجتماعية مقبولة أكثر مقارنة بالأشخاص الذين يدمنون برامج
التلفزيون، وعزا الباحثون المشرفون على الدراسة ذلك إلى أن
قراءة الأدب تتيح للناس رؤية الأشياء والمواقف والأفكار من
وجهة نظر الآخرين، الأمر الذي يجعلهم أكثر فهما وتفهما للعالم.
ولتبيان تأثير ذلك في سمات شخصية عدة، صنّف باحثون في جامعة
كينغيستون البريطانية أفراد عينة البحث على أساس اهتماماتهم
بمطالعة الكتب أو مشاهدة التلفزيون، إضافة إلى قياس مستوى
مهاراتهم الشخصية والطريقة التي يعبّرون بها عن مشاعرهم، ومدى
استعدادهم لمساعدة الناس في المواقف التي تتطلب ذلك.
وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يميلون إلى القراءة وخاصة
قراءة الأدب القصصي، يمتلكون سمات اجتماعية إيجابية ويميلون
إلى التعاطف مع الآخرين في محيطهم الاجتماعي، بينما أظهر
الأشخاص الذين يفضلون متابعة التلفزيون ميولاً اجتماعية أقل،
كما أنهم أقل تفهماً وتقبلاً لآراء الآخرين أو لوجهات النظر
المخالفة.
وخلال حديثهم عن نتائج البحث، في مؤتمر عقد في مدينة برايتون،
أشار الباحثون إلى أن القراءة تتيح للناس رؤية الأشياء
والأحداث من خلال عيون الآخرين ومن منظور آخر يتبناه أشخاص
آخرون لعلهم يكونون شخصيات افتراضية في روايات أو حكايات قد
تطابق الواقع أو قد تختلف معه، ولعل رؤية الأمور من وجهة نظر
أخرى يجعل الأفراد أكثر وعياً وتفهماً وقدرة على فهم الآخرين.
قراءة الأعمال الأدبية وخاصة الأدب الكلاسيكي، من شأنها أن
تساعد الأفراد في التعرف على مشاعرهم وعواطفهم الكامنة
وجاءت هذه الدراسة في إطار نتائج دراسة أخرى سابقة أشرف عليها
علماء نفس من “المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية” في نيويورك،
والتي أظهرت أن قراءة الأعمال الأدبية وخاصة الأدب الكلاسيكي،
من شأنها أن تساعد الأفراد في التعرف على مشاعرهم وعواطفهم
الكامنة.
وتكونت العينة من 2000 شخص متطوع، طُلب منهم أن يختاروا
المؤلفين أو الكتّاب من ضمن قائمة تضمنت 150 اسماً لمشاهير
ومبدعين في حقول مختلفة. وكان من المفترض أن يكون أفراد العينة
الذين اختاروا صوراً لكتّاب مثل؛ ت. أس. إليوت، جورج أورويل
مثلاً أكثر ميلاً للأدب القصصي والخيال، في حين رجح العلماء أن
يكون الأشخاص الذين اختاروا صوراً لديك فرنسيس، ستيفن كينغ
وجاكي كولينز، قرّاء من نوع آخر يميلون إلى الواقع والبساطة أو
إلى القراءات الترفيهية والروايات الشعبية وغيرها من كتب
التشويق والإثارة ولا يبحثون عن استثارة لعمق المشاعر.
وعرض الباحثون على أفراد العينة صورة لعيني أحد الممثلين
المشاهير، وطلب منهم تسمية المشاعر التي تعبّر عنها ملامح
الممثل وعيناه خاصة. فأظهر المشاركون الذين تعرفوا على صور
مشاهير الأدب، تفسيرات وقراءات عميقة للتعبيرات التي أطلقتها
صورة الممثل وملامحه، مقارنة بالمشاركين الذين لا يميلون إلى
قراءة الأدب الخيالي.
وكانت نتائج هذا البحث قد نشرت في مجلة “علم نفس الجمال والفن
والإبداع” الأميركية.
وأشار الدكتور ديفيد كيد؛ المشرف على الدراسة إلى أنه في الوقت
الذي تتميز فيه الروايات الشعبية بخضوعها لقوالب سردية جاهزة
وشخصيات “سطحية” وبسيطة، فإن أعمال الروايات الخيالية والأدب
القصصي تتميز بأحداثها المتنوعة وشخصياتها العميقة ولهذا فهي
تسترعي جهداً نفسياً من قبل القارئ للتعامل معها والعمل على
فهمها، وهذا الأمر يشبه تماماً الواقع؛ حيث نصادف في بعض
الأحيان أشخاصاً في محيطنا الاجتماعي، تتميز شخصياتهم بالتعقيد
فيصبح من الصعب علينا سبر أغوارهم النفسية إلا بمحاولات جادة
لفهمهم والتعامل معهم، في حين أن الأعمال الأدبية أو الروايات
الشعبية والدارجة تميل إلى تصوير العالم والشخصيات بطريقة
واضحة ومتسقة داخلياً، حيث يمكن بسهولة التنبؤ بالأحداث وردود
أفعال الشخصيات، وهذا هو الأمر الذي يجعل من شخوص الأدب الشعبي
ونجومه ينجحون في أن يقيموا جسراً ودياً يسيراً مع القارئ.
من جانبها، ترى الدكتورة كرستينا أنثيس؛ أستاذة علم النفس في
جامعة ولاية جنوب كونكيت الأميركية، أننا غالباً ما نخرج
بـ”ذات” جديدة من خلال قراءة الأدب القصصي، تلك التي تتكون من
ذاتنا الحقيقية والتجربة أو التأثير الذي يفرضه علينا شخوص
الروايات، الأمر الذي يتيح لنا آفاقاً مستقبلية محتملة.
وفي ما يتعلق بتأثير مشابه قد تحدثه السينما والتلفزيون، فإن
الأمر غير واضح، إذ تؤكد الدكتورة أنثيس على أن الأمر بحاجة
إلى المزيد من البحوث، خاصة أن السينما والتلفزيون يقدمان
معلومات مقرونة بمعززات سمعية وبصرية، وهذا ما لا تقدمه
الرواية ولهذا فإن قراءة الروايات تتطلب بذل المزيد من الجهد
المعرفي، كما أنها توفر فرصاً مثالية لممارسة مهاراتنا في
الذكاء العاطفي، فضلاً عن تعزيز الوعي بمشاعرنا والتعاطف مع
الآخرين.
ويبدو أن ما نقرأه من كتب وروايات يستدعي تأثيراً مختلفاً على
شخصياتنا؛ فقراءة الأدب الرومانسي والقصصي يختلف بالتأكيد عن
قراءة كتب أدب الخيال العلمي إذ أن الروايات الرومانسية تزيد
من حساسية الشخصية وترّوض مشاعرها.
وينصح متخصصون بأن يتواصل الناس مع قراءة الروايات باستمرار،
فالوقوف في طوابير الانتظار للتسوق والجلوس طويلاً في العيادات
لانتظار الطبيب وقضاء أوقات طويلة ومملة في المواصلات العامة،
يمكن أن يستثمر بصورة صحيحة في قراءة الروايات بدلاً عن
الانشغال بإرسال رسائل نصية بلا جدوى على الهاتف النقّال،
فالقراءة تهذب النفس وتروّض المشاعر السلبية.
|