Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

             

 

النافذة المفتوحة
 

تاريخ النشر : 31 /10 /2017

 

مدن

عنة

إعداد : سندس الدهاس

خاص بـ "الموروث"

 

تاريخ النشر : 

"مدينة عنة هذه المدينة الجميلة الواقعة غرب العراق والتي تمتاز بشمسها ولألئ نخيلها وحبات مياه سكرها ورشفات ماء نواعيرها ونجد عنة هذه المدينة الحضارية آمنة فطرية في طباع اهلها فخورة برجالها شعار اهلها وعاداتهم وتقاليدهم مستوحاة من عقيدتهم وشريعتهم وعروبتهم الخالصة حملوا صفات الآباء والاجداد وتمسكوا بها فهم مخلصون لبلدهم يتقنون عملهم ويطبقون سنن نبيهم هذه المدينة النموذج في كل العصور وهي الامثل للمدن الاخرى وقالوا عنها عنة المحروسة ولعل الفرات العذب والبساتين والنخيل الباسقات والتلال الشامخة وزقزقة العصافير" ..  هذا ماذكره لنا الباحث والمؤلف قاسم القدسي في طبعته الاولى لعام 2017م من كتابه "من ذاكرة مدينتي عنه" والذي صدر عن ديوان الوقف السني دائرة البحوث والدراسات والذي يقع ب441 صفحة حجم متوسط وهو من خزائن دار الكتب والوثائق .

وجاء فيه ماذكرته الدكتورة سليمة عبد الرسول من دائرة الآثار والتراث من ان معنى لفظة عنه وهي الجماعة من حمر الوحش وتجمع عونا وعانات وربما اخذت هذه اللفظة من آلهة عبدت في بلاد الشام قديما اسمها عانة او اناته وهي زوجة الاله ايل والتفسير هذا يتفق مع صيغة الاسم في المصادر اليونانية والرومانية حيث ذكرت بهيئة أناتا او أناتو واخيرا فأن دارسي اللغتين الآرامية والسريانية يرون في اللفظة انها تعني بيت الماعز ، ويقابل مدينة عنه على ضفة الفرات الايسر مدينة راوة وهي بأكثر اتساعا من جارتها لكنها حديثة النشأة قياسا الى تاريخ عنه العريق وتتبعها اداريا .

واسم عانه ـ كما ورد في الكتاب ـ من الاسماء القديمة الواردة في الكتابات البابلية والآشورية وفي العهد البابلي القديم وانها كانت مركز اقليم ومملكة في الفرات الاوسط "خاني " امتد على ضفاف الخابور والفرات كما عرف هذا الاقليم بعد ذلك في المصادر الآشورية باسم سوخي ودخل اقليم عنه تحت حكم حمورابي حينما فتح عام 35 من حكمه جميع المدن في الفرات الاوسط والاعلى كما انها مدينة في جزيرة الفرات وقد بنى بالقرب منها احد امراء المناذرة المسمى (معين ) الذي كان من مشاهير القادة .

فأهل عنه عرب اصلاء نزحوا اليها في القرن الثالث ق.م وهناك وشائج وروابط بينهم مع عرب الجزيرة توثقها الاحلاف والتجارة والمصاهرة واعتنق اهلها الاسلام في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) بعد ان كانوا يدينون بالمسيحية ، ومر بها الامام علي بن ابي طالب (كرم الله وجهه ) بعد معركة صفين متجها الى الكوفة وله مقامات متعددة من اهمها مقام علي في المشهد وكذلك خضعت لحكم بني العباس وازدهرت الحياة في المدينة بسبب استتباب الامن وانتعاش التجارة المارة بها .

ومن الناحية السياسية اصبحت عنه تابعة للحكم الاموي بدمشق ثم الحكم العباسي وللقرامطة مما يؤيد اهمية موقع عنه كمحطة للطرق الرئيسية على الفرات ربطها بمحطات تقع في الشرق وطريق خراسان وقد استخدمت المدينة منفى او معتقلا سياسيا لبعدها عن بغداد ولموقعها الحصين ثم خضعت المدينة الى الدولة الارتقية ثم للأتابكة .

كما ورد في الكتاب أن المدينة خضعت لأساليب وانواع من الحكم العشائري والقبلي والفردي اما من ناحية الكوارث الطبيعية فقد مرت المدينة بالكوارث القاسية بين فيضانات وامراض فتاكة وبين نهب وسلب من الاعراب ودخلتها جيوش مختلفة المطامع والاهداف ، ولكون مدينة عنه من اقدم مدن العراق لذا نجد الكثير من المعالم التاريخية اذ ان كل موقع تطأه فيها قصة حضارة لقوم سكنوها او مروا بها ومن تلك المعالم التاريخية :

 

قلعة عنه :

ذكر المؤلف أنها جزيرة كبيرة تسمى لباد وفيها بقايا اثرية مهمة من العهد الاسلامي ومنها المئذنة العالية الجميلة وتوجد في القسم الشمالي من الجزيرة بقايا قصر يعرف بالقلعة لايعلم زمنها بوجه التأكد ولعلها بقايا القصر من العصور الاسلامية المتأخرة وفي الجزيرة تلول اثرية ، وقد روي المحليون ان المس بيل في عام 1908 م وجدت منحوتات وكتابات مسماية على احجار ساقطة في الماء ويحيط في الجزيرة من الشمال ابراج مشيدة بالحجارة والكلس حيث اقيمت الابراج من قاع النهر وبارتفاع عالٍ ويوجد حصن على شكل غرف اقيمت فوق الابراج بها نوافذ تطل على النهر.

 

مئذنة عنه :

أشار المؤلف الى ان مئذنة عنه الاثرية تقع في الركن الشمالي الشرقي لجزيرة عنه والمعروفة بجزيرة القلعة علوها 26 مترا وتنسب الى بني عقيل حكام الموصل في القرن الخامس الهجري ، وتتكون المنارة من قاعدة مربعة يقوم عليها بدن منشوري مثمن الشكل يتألف كل من اوجهه الثمانية من ثمانية طوابق وتزين الطوابق طاقات او عقود داخل اطارات مستطيلة بعضها مزدوج وبعضها منفرد وتنتهي من الاعلى بعقد منفوخ او مفصص يرتكز كل عقد على عمودين في جوانب الاطار او عند الوسط وتتخلل هذه العقود نوافذ لإنارة سلم او درج المئذنة ويبلغ عدد الطاقات او العقود 72 عقدا وتستدق المئذنة من الاعلى وتنتهي بطابق مثمن ايضا في قمتها قبة شبه مدببة ولهذا الجزء نوافذ صغيرة في جهاته الاربعة وتعتبر مئذنة عنه من فرائد المآذن في العراق تتميز بشكلها الجميل وبنائها الغريب .

 

الجامع الكبير في القلعة :

ووفقا لماورد في الكتاب فإن هذا الجامع يتألف من صحن اوسط وبيت للصلاة ، يبلغ طول هذا الجامع 41،50 م وعرضه 32،50 م ويكون المحراب نحو الجنوب (القبلة) على يمينه منبر والمدخل يقع في الزاوية الشمالية الشرقية بالقرب من المنارة والطبقة الثانية يظهر فيها اعمدة واروقة على الجانبين بلا مؤخرة وقد ظهر بئر وسط ساحة الجامع الصحن تغطيه قطعة حجرية وعلى احد اسطحها كتابة تبدو مسمارية بستته حقول كاملة تألف وسطها لوجود ثقب ويبدو انها منقولة من موقع آخر .

 

جسر القلعة :

ذكر المؤلف ان الجسر يتكون من مفصلين ، الاول يربط قلعة عنه بالطرف الشامي ، و الثاني يربط قلعة عنه بالجزيرة لأسباب امنية وشيد الجسر من الكلس (النورة ) والحجر وهي مواد كانت شائعة في بناء الارصفة والسدود ومنشآت النواعير نظرا لمقاومتها للرطوبة ولتيار النهر الجارف ولتوفرها في المنطقة .

 

جامع ومئذنة الخليلية :

ذكر المؤلف ان شبه جزيرة الخليلية تقع مع مجموعة جزر صغيرة التحمت فيما بعد مع الجانب الايسر لنهر الفرات وعلى مسافة بضع كيلومترات من جزيرة تلبس الواقعة وسط المسافة بينها وبين جزيرة قلعة عنه وتشكل نقطة ربط بين الجزيرتين من الناحية العسكرية .

يقع جامع الخليلية على مرتفع صخري في الطرف الجنوبي الشرقي وله منارة مثمنة تشبه الى حد كبير منارة جامع القلعة في عنه .

 

جزيرة تلبس :

أشار المؤلف الى انها تقع جنوبي مدينة عنه بمسافة 14 كم تقابلها مدينة اثرية واسعة والجزيرة مسورة بأسوار منيعة ولتقادم الزمن عليها هدمت تلك الحصون ويعود تاريخها الى ماقبل 884 ق.م ولها اهمية كبيرة كونها تقع على طرق المواصلات بين وسط وشمال الفرات .

 

مشهد عنه :

من الآثار التي ذكرها مؤلف الكتاب جامع يعرف باسم جامع المشهد يقع على بعد بضع كيلومترات شمال مدينة عنه وبقاياه الاثرية متكونة من ثلاثة ادوار بنائية هي :

بقايا مسجد العصر العباسي .

صف من ثلاث غرف مع القبة الاتابكية .

غرفة مثمنة الشكل قبتها من خزف من الداخل وفيها كتابة تؤرخ الى العهد العثماني.

 

لهجة عنه

وعن لهجة مدينة عنه ورد في الكتاب أن المدينة مقسمة كباقي المدن الأخرى الى محلات ويشغل تلك المحلات اناس يختلفون في الانحدار العشائري والقبلي الاّ ان المدينة توحد الجميع وتضفي عليهم نكهة متساوية من المحبة والعطاء وحين نستعرض المفردات المحلية لمدينة عنه نجد انها قريبة من الفصحى واغلبها مشتقة من مفرداتها وأن كما كبيرا من مفردات اللهجة العانية ذات الجرس الموسيقي والمدلول الواضح وتقوم بمتطلبات الحياة والافصاح عن مكنون المتحدث بها لتؤدي هذا الدور ، وفي العصر الحديث حددت مدينة عنه اداريا وحسب الكثافة السكانية الى محلات يشغل كل محلة اناس يختلفون في الانحدار العشائري والقبلي عن غيرهم الا ان المدينة وحدتهم بحكم عاداتها وتقاليدها ، ومن مسميات تلك المحلات : الجميلة – الشريعة – الخطبة – السدة – حقون – شعيفة – غازي (الجمهورية ) – الكحلي – دلة علي – الحوش – العباسية – ، اما محلة القلعة فكان لها مختار واختيارية حتى نهاية الاربعينيات من القرن الفائت والكل كان في العصر القديم يتحدث الفصحى سيما وان انحدارهم كان من القبائل العربية الخالصة ومن سكنة جزيرة العرب حصرا ( بلاد الشام وفلسطين واليمن والبادية ) ولتعرض المدينة للمتغيرات الاجتماعية والسياسية حالها كحال باقي المدن ودخول الجيوش المختلفة وعبورهم من خلالها جعل سكانها يميلون نسبيا للعامية المهذبة والقريبة للغتهم الام (العربية ) لكن بعض المفردات والمسميات التركية دخلتها كباقي المدن الاخرى .

 

المعتقدات

 

اما عن المعتقدات في مدينة عنه فاشار مؤلف الكتاب الى ان حالها حال المدن المجاورة في الحياة الاجتماعية والدينية وامتدادا للمجتمع العراقي حيث ان مدينتهم فيها مقابر الصالحين ومقامات الكثير ، وقديما كانت النسوة يذهبن للمقابر لزيارة قبور موتاهم ليلة الجمعة او صباح العيد ويكون ذلك بقراءة ماتيسر من القرآن الكريم (سورة ياسين ) والدعاء لهم ولكن هذه الظاهرة تلاشت وغابت عن الانظار في النصف الثاني من القرن الماضي .

 

معالم ثقافية

ومن المعالم الثقافية في مدينة عنه مكتبة عنه حيث ذكر مؤلف الكتاب أن مدينة عنه توصف عبر تاريخها الطويل بأنها مدينة مزدحمة بالكتاتيب والمدارس الشرعية والدواوين وتوصف بحب اهلها للثقافة والعلم وتعد محطة ثقافية يأمها طلبة العلم والثقافة فعلماؤها لهم وزنهم واحترامهم ومثقفوها لايقلون شأنا عنهم اما دواوينها فكانت بكثرة عددها تشع بنورها التربوي والاجتماعي وفي المدينة مكتبة عامة يؤمها طلاب الثقافة والعلم حيث تأسست في عام 13/3/ 1948م وبدأت تستقبل القراء والمطالعين والمستعيرين للكتب ، اما الكتب والمجلات فكانت ترد للمكتبة بكثرة وهي متنوعة ومنها :- مجلة الرسالة والرواية – مجلة الكفاح – مجلة الاديب – مجلة البيان – مجلة الام والطفل – مجلة العرفان ، ومن الصحف جريدة الزمان – جريدة الاخبار – جريدة الهاتف الاسبوعية ، وبمرور الزمن اصبحت المكتبة تحوي امهات الكتب العلمية والادبية والانسانية وزاد عددها عن اربعة الآف كتاب حتى عام 1960م ولتصبح اليوم 7500 كتابا .

 

مكونات

اما عن مكونات مدينة عنه فذكر مؤلف الكتاب أن النصارى عبر  التاريخ سكنوا مدينة عنه وماحولها واقاموا فيها اديرة وكنائس حالها حال المدن الأخرى في مناطق الفرات الاعلى والاوسط والجزيرة وبلاد الروم وعلى ضفاف نهر دجلة ، ولهم معالم كثيرة في تلك المناطق ومنذ مئات السنين قبل الاسلام وسكانها من العرب الخلص من بني بكر وربيعة ومضر وتغلب وغيرهم ولهم من الاديرة الكثير من مناطق عنه وماجاورها ومن اهمها والتي ذكرها المؤرخون (دير ماري جرجيس ) و(دير القائم ) و(دير الملوية) و(دير نعم ) و(دير لبنى ) و( دير حنظلة) و(دير المشهد الكبير ) الذي يقع على بضع كيلومترات من مدينة عنه وتنصر اهالي عنه حال وصول الديانة المسيحية اليهم تاركين الوثنية وتحملوا كثيرا من الهجمات من قبل الرومان وقد منعوهم من ممارسة طقوسهم الدينية بعد ان فتحوها .

وتشير كتب التاريخ الى ان اليهود ايضا سكنوا هذه المدينة كمثيلاتها من المدن الأخرى وتذكر كتب التفسير انهم سكنوا مدينة عنه منذ بعثة نبي الله موسى (عليه السلام) ويذكر ان مائة وعشرين بيتا من سكانها يهود عرب ان لم يكونوا اغنياء فإنهم يعيشون عيشا وسطا ويملكون بيوتا واراضي كما يملك العرب الذين يؤلفون بقية سكانها وتعد جالية يهود عنه حوالي ثمان مائة يهودي .

وفي سنة 22 هـ تم فتح مدينة عنه في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رض) وحينها كانت تدين بالنصرانية وقد ترك اهلها اليهودية وكان فتحها صلحا على يد القائد عياض بن غنم حسب مااورده المؤرخون وترك للنصارى ومابقي من اليهود حرية الاختيار الا ان اغلبية النصارى اسلموا ومن اليهود عدد غير قليل رغب في دفع الجزية للمسلمين وبمرور الايام خلت المدينة من النصارى حيث دخل جميعهم في الاسلام ولم يعد فيها الاّ ثلة قليلة من اليهود يدفعون الجزية ودانت المدينة بالاسلام وحسن اسلام اهلها .

هكذا كانت الحياة في مدينة عنه الكل يعيش بسلام واطمئنان والكل يعرف حقه وحقوق غيره ويحترمها حيث كانت الدواوين تعقد فيها الجلسات للمصالحة والتراضي فتنوب عن المحاكم واجراءاتها .

فهذه مدينه عنه الفراتية التي امتدت جذورها في اعماق التاريخ مايقارب ستة آلاف عام بآثارها ومعالمها الثقافية والحضارية .

 

  

تنبيه

 لايُسمَح لأية صحيفة ورقية او موقع ألكتروني او مدونة او موقع شخصي او صفحة تواصل اجتماعي بإعادة نشر موضوعات او صور مجلة "الموروث" من غير إدراج اسم كاتب الموضوع وكذلك اسم المجلة بصفتها مصدرا ، عملاً بضوابط الملكية الفكرية والأمانة الصحافية.