النافذة المفتوحة
تاريخ النشر : 16 /11 /2017
رأي
المقاهي البغدادية .. في فيلم وثائقي
تضامن عبد المحسن
خاص بـ "الموروث"
بعدسة أنيس عامر ( الذي ينشر صوره
تحت هاشتاك : لو حاولت)
لطالما تناولت اقلام المؤرخين والصحفيين المقاهي البغدادية ،
تاريخها وروادها وتأثيرها على الواقع الاجتماعي والثقافي ، إلا
ان المخرجة العراقية ايمان خضير كانت اول من تناولها في فلم
وثائقي حمل عنوان (مقاهي بغداد الادبية).
شخصيا ، ولأنني احمل عشقا لهذا التراث البغدادي ، فقد حضرت
مشاهدة الفلم مرتين ، المرة الاولى ، في منتدى بيتنا الثقافي ،
وكان العرض الاول للفلم من خلال اللجنة الثقافية للحزب الشيوعي
العراقي ، ولما كان الفلم قد اعتمد على اللقاءات مع رواد
المقاهي من المثقفين والكتاب ، الذين نسجوا ايامهم وكتاباتهم
داخل جدرانها، فقد ارتأينا ان يكون العرض الثاني في احدى مقاهي
بغداد ، من التي تحمل عبق الماضي ، فكان ذلك ، وبالاتفاق مع
الحاج محمد الخشالي ، صاحب مقهى الشابندر في المتنبي ، ليكون
عرض الفيلم بالتعاون بين دائرة العلاقات الثقافية العامة في
وزارة الثقافة وبين مقهى الشابندر.
عن ذلك العرض ، داخل المقهى ، قالت المخرجة ايمان خضير خلال
تقديمها للفلم ، ان اختيار المكان كان (ضربة معلم)، لأنها
ستجعل المتلقي يشعر كأنه داخل الفلم، وهو ماحصل فعلا ، فمع
اصوات رواد المقهى واستكانات الشاي ورائحة السكائر والناركيلة
تملأ الاجواء، وهي اجواء الفلم نفسها ، لاقى العرض نجاحا
كبيرا، ومطلبا في اعادة عرضه في بغداد بل وخارج العراق ايضا.
الفلم من انتاج وزارة الثقافة عام 2013 ضمن فعاليات بغداد
عاصمة الثقافة العربية ،
ويعتبر فلما وثائقيا لتناوله دور المقهى في حياة الفرد العراقي
من عشرينيات القرن الفائت الى يومنا هذا، واشتمل الفلم على
لقاءات مع مثقفين ممن كان للمقهى دور كبير في مسار حياتهم،
اضافة الى دوره اليومي المألوف في التسلية وقضاء الوقت، بل
تحول الى ظاهرة اجتماعية عراقية خالصة، وملتقى لرجال الأدب
والعلم والسياسة والفن وقراء الشعر، ونتاج مشترك للأفكار
والرؤى والذاكرة الثقافية لمرتاديه، كونه مكاناً لتأريخ
الثقافات وتبادل الخبرات والتجارب، وأرخ لقصائد ونصوص وكتابات
كان لها دور كبير في حراك الساحة الثقافية والسياسية العراقية،
كما في قصيدة (اخي جعفر) للشاعر الجواهري التي على اثرها
انطلقت ثورة سادت شوارع بغداد، كما صدرت من داخل هذه المقاهي
بيانات سياسية تناقلتها الصحافة.
وجرى على ألسنة المتحدثين تناول الطابع التراثي والشعبي لهذه
المقاهي التي تميزت بالأرائك الخشبية العارية من الوسائد وموقد
الشاي التقليدي، وكيف دخلت الآراكيل و(الطاولي) والدومينا الى
عالمها.
تناول الفلم كل مقهى على حدة لما يمتلكه من خصائص مختلفة عن
الآخر في استقبال نوع الزبائن، طلاب او شعراء او رجال سياسة،
وحسب مهنهم وميولهم فأجواء مقهى الزهاوي تختلف عن اجواء مقهى
ام كلثوم، وكذلك البرازيلية والسويسرية في شارع الرشيد، تختلف
عن مقهى المعقدين، وغيرهم الكثير.
المقاهي البغدادية في الفلم كانت لجانب الرصافة لما يملكه
شارع الرشيد من حراك شعبي من العمال والطلاب والمثقفين اكثر من
غيره.
وبعد هذه الحوارات المعمقة والاجواء الثقافية التي كانت مثار
انشغال رجال الامن والمخابرات في حقبة الحكم الدكتاتوري، تأتي
مرحلة مابعد 2003 التي اتسمت باهمال هذا التراث الشعبي الثر،
الى درجة تحول اغلب المقاهي الى محال او اغلاقها. الى ان يصل
الفلم الى تأثير التردي الامني ليكون تفجير شارع المتنبي وضرب
مقهى الشابندر واستشهاد العديد من رواده.
حمل الفلم رسالة مهمة تكمن في ضرورة الاهتمام بـ (رئة بغداد)
لما تمثله من متنفس للأدباء والمثقفين والفنانين، بل وحتى
الرواد الذين يشهدون هذه الجلسات بالاستماع والنظر فقط .
تنبيه
لايُسمَح
لأية صحيفة ورقية او موقع ألكتروني او مدونة او موقع شخصي او
صفحة تواصل اجتماعي بإعادة نشر موضوعات او صور مجلة "الموروث"
من غير إدراج اسم كاتب الموضوع وكذلك اسم المجلة بصفتها مصدرا
، عملاً بضوابط الملكية الفكرية والأمانة الصحافية.
|