Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

             

 

النافذة المفتوحة

 تاريخ النشر : 29 / 3 /2019

      

مدن

بابليات : شناشيل وأزقة الحلة الفيحاء

مريم لطفي

 

خاص بـ "الموروث"

 الحلة مدينة عراقية عريقة وهي مركز محافظة بابل بناها صدقة بن منصور امير بني مزيد عام1101م.(1)

تقع بالقرب من مدينة بابل التاريخية احدى عجائب الدنيا السبع،تبعد عن العاصمة بغداد بحوالي100كم.(2)

تشتهر مدينة الحلة ببيوتاتها التراثية القديمة التي تتوزع على صوبيها حيث يقسم شط الحلة المدينة الى قسمين الاول يسمى الصوب الكبير والثاني يسمى الصوب الصغير وقد اعتاد اهالي الحلة على هذه التسميات لاسيما كبار السن منهم..

وقداختلف المؤرخون حول تسميتها وهناك عدة آراء لتسميتها بهذا الاسم واحدها حلول الامام علي بن ابي طالب (ع) فيها وصلاته في المكان الذي اقيم عليه فيما بعد جامع ومقام (مشهد الشمس) او ان الامام علي قد سماها بـ "الحُلة"لأنها مدينة  حلوة تميزت بالجمال وهذا ماكنا نسمعه من اهلنا واجدادنا عن معنى"الحلة" وهو كما ذكرت رأي من عدة آراء..

ويقال ان الامام علي(ع) قد مر بمدينة الحلة مرتين اثناء عودته من معركة صفّين ومعركة النهروان.(3)

ومن الجدير بالذكر أن جامع ومقام الامام علي(ع) يقع بالقرب من بيت اهلي الذي ولدت وترعرت فيه والذي يقع  في منطقة حي الحكام القريبة جدا من مقام"مشهد الشمس"،وقد اعتدنا كما اعتاد اهالي المنطقة زيارته بشكل دائم ..

تزدهر المدينة بشناشيلها المتدلية الرائعة ، فما ان يلج الزائر لهذه الفروع الضيقة المكتضة حتى يرى روعة هذه البيوت المتراصفة ذات البناء  المعماري الساحر الذي يتميز بروعة تصاميمه الهندسية الرائعة ذات   النسق المعماري الباهر الذي يدل على مهارة فائقة ابدعت لتهندس وتصمم وتنفذ هذه الشناشيل بتلك الطرق الفنية ذات الابعاد الهندسية الدقيقة والنقوش الباهرة التي تدل على ابداع ومهارة فائقتين..

وتعد محلة الجامعين اصل مدينة الحلة وقد سميت بهذا الاسم لوجود جامعين فيها، هما جامع ومرقد الصحابي عبد العزيز بن سراي وهو من اصحاب الامام علي (ع)،والجامع الثاني هو جامع ومقام الامام الصادق(ع)(4)

والمحلة مازالت قائمة الى الآن نابضة بالحياة ، وقد وصف ابن بطوطة "الجامعين"( بانها مدينة كبيرة مستطيلة مع الفرات لها اسواق حسنة جامعة للمرافق والصناعات وهي كثيرة العمارة) .

وتضم المحلة عدداً من الازقة ويسمى الزقاق باللهجة العامية عند الحليين(العكَد) وهو عبارة عن بيوتات متراصفة بينها ممرقد يضيق فيصل عرضه الى متر واحد  وقد يحتوي" العكد" على ممر اضيق يسمى "دهليز" ويضم بيتان اوثلاثة،وقد يندهش  من يدخل اول مرة الى العكَد من ضيقه وكيفية الولوج وادخال الاثاث الى تلك البيوتات ،ومن الجدير بالذكر ان العكَد يمتاز بطوله وتعرجاته ايضا وقديصل طوله الى ثمانين مترا(5)

وربما يتساءل المرء عن سبب هذا الضيق فقد يعود السبب الى معرفة الشخص الغريب الذي يدخل، نظرا للتمازج القوي بين السكان - وهذا مايميز اهالي المدينة وهو ارتباطهم القوي بعيدا عن اي قيد اوشرط -فالنسيج الاجتماعي على اوجّه ،كل الديانات وكل القوميات بلا قيد اوشرط  يعيشون في محلة واحدة باخاء وكل يمارس طقوسه بمنتهى الحرية ويتبادلون الزيارات والمناسبات ، فالذي يحكم الروابط الاجتماعية هناك هو الوازع الانساني فقط الذي يعتبر اعلى قيمة عند الانسان الحلي المثقف والبسيط ،وهذا يعود الى روح الالفة والمحبة والبساطة وتقبل الاخر التي يتمتع بها الحلّي ،او ربما ليكون عصيا على الغزاة..

المدينة القديمة تشتهر بمحلاتها العتيقة  والتي مازالت قائمة الى الآن ،وتقسم المدينة الى قسمين كل قسم يسمى "صوب"الصوب الكبير يضم كما ذكرت الجامعين ،المهدية،الطاق،التعيس،جبران، وفي الصوب الصغير(الوردية،كريطعة،الكلج )وغيرها،واما "العكود" فتتمثل بعكَد المفتي،عكَد بقلي،عكَد الجياييل، وغيرها..6

وهذه البيوتات تتميز بشناشيلها المتدلية،تلك الشرف الساحرة التي تتابط جانبي الطريق،تسلب العقول بروعة اشكالها وهندستها المعمارية الاخاذة وتصاميم شبابيكها المتناسقة الباهرة.

والشناشيل الحلية كمثيلاتها  في اغلب مدن العراق تمتاز بالجمال والاصالة وقد حافظت اغلب هذه البيوتات  على وجودها الى الآن، اذ يعتز اصحاب هذه البيوتات بها كونهم توارثوها أباً عن جد وكون النسيج الاجتماعي وروابط الجيرة تفرض عليهم البقاء..

وهذه الشناشيل  تعد الاولى من حيث الجمال والاصالة والنشأة والتي هي اصل مدينة الحلة، و تنتشر في مركز المدينة وماحولها..              البناء العمراني واضح المعالم ويدل على اصالة ليس لها مثيل فالشرف الخشبية و الشبابيك التي فيها الكثير من الاشكال الهندسية المتناسقة والمضلعة، يستخدم فيها خشب الصاج اوالجاوة المقاوم لعوامل الطقس حرا وبردا والذي يتميز بنقوشه المحفورة البالغة الدقة..هذه البيوت تحتاج الى رعاية واهتمام باعتبارها معلما شاخصا من معالم التراث القومي للمدينة ويجب المحافظة عليها واعتبارها تحفة وكنز من كنوز بابل القديمة..

 واخيرا لابد من القول "ان مكة ادرى بشعابها" فقداعتمدت بكتابة مقالي هذا على ماشاهدته وسمعته وامتزجت بذره كوني ولدت في هذه المدينة المعطاء ونشأت وترعرت فيها وماسمعته ووثقته من والدي القاضي الفاضل لطفي عبد الامير الالوسي الذي كان موسوعة ثقافية قائمة بذاتها والذي تبوأ العديد من المناصب القضائية والذي ولد ونشأ وترعرع في محلة الجامعين /الطاق، قبل انتقال العائلة الى حي" شبّر"، وقد عاصر اعلام الحلة الاقحاح امثال المؤرخ والعلامة الشيخ يوسف كركوش الذي كان يرتبط به بصلة قرابة من جهة الام كما كان صديقا لجدي"عبد الامير شناوة الالوسي" الذي كان ملاّكا وانسانا مثقفا محبا وناظما للشعروعارفا بتاريخ وانساب الحلة ، وكذلك من والدتي المربية الفاضلة الست اديبة حمزة  مدرسة اللغة العربية والتي كانت مديرة مدرسة درّست وادارت مدارس في اغلب مناطق وازقة الحلة وقد تخرج على يديها عشرات العقول من ادباء وعلماء واطباء ومهندسين ورجال قضاء اثروا الحياة الحلية بكل ماهوجيد ومفيد.

 

المصادر

(2)موقع وكيبيديا

5 ، 6..الجامعين(دراسة تاريخية)/أ.دمحمد ضايع حسون            

   ..عكد المفتي..ذاكرة لاتشيخ سعد الحداد/جريدة المدى                     1،3،4

 

 

تنبيه

 لايُسمَح لأية صحيفة ورقية او موقع ألكتروني او مدونة او موقع شخصي او صفحة تواصل اجتماعي بإعادة نشر موضوعات او صور مجلة "الموروث" من غير إدراج اسم كاتب الموضوع وكذلك اسم المجلة بصفتها مصدرا ، عملاً بضوابط الملكية الفكرية والأمانة الصحافية.