قالت الصحافة
تاريخ النشر : 31 /10 /2017
توظيف الأمثال الشعبية في
الأغنية العراقية
نهى رائد
عندما نمعن النظر في خارطة الاغنية العراقية، نجد مساحة كبيرة
من الاغاني العراقية، حفلت بالامثال الشعبية، ووظفت هذا اللون
من الموروث الشعبي في نسيج الاغنية، وكان لها وقع خاص في نفوس
المستمعين، من خلال دمج الامثال بمفردات الاغنية بطريقة
ابداعية.
ولا يخفى ما للمثل الشعبي من أهمية في التداول الغنائي، فهو من
باب يحافظ على ديمومة وتداول المثل بحيث يصبح شائعا ومنتشرا
بين الناس، ومن جانب آخر بما يحويه المثل من قوة ورصانة وعمق
الدلالة الاجتماعية والانسانية، فهو يختصر حكاية أو موقفا
انسانيا بكلمات موجزة لاتخلو من شاعرية ووزن وثراء المعنى،
ولكل مثل حكاية يقف خلفها موقف انساني وعبرة حياتية، ما جعل
الشعراء ينهلون من نبع الامثال الشعبية وتوظيفها جماليا في
النص الغنائي. كلما توغلنا عميقا في تاريخ الاغنية العراقية
والمراحل التي مرت بها، نجد صورة المثل الشعبي ماثلة بوضوح
وأكثر كثافة بالاغاني القديمة ومن النادر ان نسمع الامثال في
الاغاني الشبابية الحديثة، التي تعتمد في الغالب على مفردات
سطحية وساذجة من ضمن الاستهلاك اليومي والمتداول.
ولابد من التوقف عند بعض النماذج الغنائية الاكثر شيوعا عند
المستمعين.. فاذا ذهبنا الى ماضي الاغنية العراقية، سوف
تطالعنا أغنية”يا من تعب يامن شكه يامن على الحاضر لكه”
للمطربة زكية جورج، التي تفتتح أغنيتها بمثل شعبي متداول لتصبح
هذه الاغنية علامة مميزة من علامات التراث الغنائي العراقي،
المعروف برصانته وعمق معانيه. ليستثمر الشاعر عبد الكريم
العلاف احد الامثال الشعبية في كتابة أغنية ظلت راسخة في
المخيلة الشعبية وهي “كلبك صخر جلمود ما حن عليه” والتي غنتها
المطربة سليمة مراد.
ليصوغ الشاعر ناظم السماوي احد الامثال الشعبية بصياغة ابداعية
من خلال أغنية”حجيك مطر صيف ما بلل اليمشون” والتي ابدع في
غنائها المطرب فؤاد سالم، لتظل هذه الاغنية تنث رذاذ الذكرى،
كلما سقطت قطرات المطر اواخر فصل الشتاء. اما الفنان كاظم
الساهر فقد ادرك اهمية الاعتماد على المثل الشعبي منذ سطوع
نجوميته عبر أغنية” التلدغه الحيه بيده يخاف من جرة الحبل” اذ
وظف هذا المثل شعريا ، الشاعر عزيز الرسام، فكانت انطلاقة
الساهر مع المثل الشعبي. يلاحظ ان المثل يمنح الاغنية رصانة
وتماسكا ويسهم في ديمومتها وانتشارها، اذا ما وظفت بطريقة
ابداعية، والدليل ان المثل الشعبي” الملح والزاد ماغزر ولا فاد
“ عندما تحول الى اغنية ناجحة، كانت هذه الاغنية تغري على
الدوام المطربين لغنائها، بدءاً بالمطرب محمد المدلول، الذي
قدم أغنية”الملح والزاد” ثم انتقلت هذه الاغنية لافواه الكثير
من المطربين نظرا لقوة مضامينها الاجتماعية وبنائها الفني وبعد
ذلك غناها عادل المختار ورضا العبد الله والفنان ماجد المهندس.
وبعد تجوالنا في عدد من الاغاني التي استمدت من المثل الشعبي
روحيتها، يتبين لنا اهمية الاتكاء على الموروث الشعبي، من أجل
الحفاظ عليه وديمومته من خلال استثماره ابداعيا في حقل الاغنية
الشعبية.
جريدة الصباح
|