العدد (158) - نيسان- 2023


سياسات مناهضة التطرف وتعزيز التعايش السلمي في العراق من منظور أمني معاصر
 (2005-2022)


علي أحمد عبد مرزوك - أطروحة دكتوراه – 2022م
جامعة النهرين / كلية العلوم السياسية
326 صفحة

 


كثرت الرؤى الفكرية والمطارحات الفلسفية خلال السنوات الأخيرة حول التطرف ومظاهره وارتباطاته المفهومية وتنوع مصادره واشكاله، وتنوعت خلفية تلك الرؤى والمطارحات فهناك الاعمال الفكرية التي تظهر في شكل تحليل فلسفي، وهناك الاعمال التي تنطلق من المعرفة المتراكمة في مجال علم النفس وخصوصا فيما يتعلق ببناء وتطور الشخصية، ومظاهر الأمراض النفسية، ثم هناك رؤى وأفكار في حقل العلوم السياسية ترصد وتبحث أسباب مظاهر التطرف وانتقالات المفهوم ومدى تأثيره في المجال العام السياسي، ورصدت العديد من تلك الجهود التغيرات التي تحدث على ظاهرة التطرف لتوضيح المتغيرات المترابطة بهدف تحديد الأسباب والنتائج بغية إيجاد البدائل في السياسات التي تتخذها الحكومات لمناهضة الظاهرة وقطع جذورها .
والتطرف ظاهرة لها بعدها التاريخي وتطورت مع تطور المجتمع البشري، وهي قضية معقدة ومركبة قديما وحديثا، وبواعثها أيضاً كثيرة ومتنوعة ومتداخلة، بعضها قريب وبعضها بعيد، بعضها مباشر، وبعضها غير مباشر، وبعضها واضح مائل للعين، وبعضها غائر في الأعماق،ووصفت ظاهرة التطرف المنتجة للإرهاب بالتزمت الفكري، والتشدد الديني، ثم أتخذ أنصارها مواقف دينية وسياسية واجتماعية، أسفرت عن عدائها للمجتمع ومؤسساته مما أدى الى تهديد منظومة التعايش السلمي للمجتمعات فضلاً عن تهديد منظومة الأمن وتخريب مؤسساته، وان الإرهاب المولود من رحم الفكر المتطرف يعد اخطر الظواهر الإجرامية التي عرفتها المجتمعات الحديثة لما يمثله من تهديد للفكر والعقيدة والكيان السياسي والحضاري للشعوب، وباتساع مفهومه اصحي من أبرز التحديات والمهددات الأمنية والاجتماعية في العالم لما له من تأثيرات بعيدة المدى على الإنسانية كافة، كونه يتخذ صورا وأشكالا وصيغا متعددة تهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية أو الأعراف الاجتماعية والدينية السائدة.
واستأثر التطرف بالعديد من النقاشات والجدالات والمواقف المتضارية والمتعارضة، وكان لافتاً في هذا السياق مخرجات التطرف – الإرهاب – على نحو سيئ، من خلال الصاق مفهوم الإرهاب بالدين الإسلامي، وبمطلب بناء "الدولة الإسلامية المتخيلة في أذهان العديد من التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش، وارتباط مفهوم الجهاد بالحرب على المخالفين، خصوصاً الذين كانوا يعتدون على الدين الإسلامي والمسلمين في مرحلة الدعوة المحمدية الأولى أو بعدها، وسيق بشأن هذا الموضوع العديد من الأساطير، إلى درجة ان هناك من يرى أن الإسلام مرادف لمفهوم الجهاد الذي تتبناه تلك الجماعات المتطرفة، زيادة على ذلك اخذ مفهوم التطرف بالتشتت بين مفاهيم ومصطلحات كثيرة، آلت الى تركيز جهود علمية نحو فك اللبس عن تلك المفاهيم وتمييزها عن التطرف، في الوقت الذي تحتاج الى قطع دابر هذا الفكر تحولاته الإرهابية .
وإن تبين الأسباب الجذرية للتطرف المؤدي إلى الإرهاب عملية معقدة تتطلب تقدير الفوارق الاجتماعية الثقافية والسياقية المرتبطة بمشهد العولمة السريع التطور ، فالتطرف متعدد الأوجه - وفقا لتعدد أسبابه وما تقرره من أنماط وأشكال للتطرف - وتوججه فضاءات افتراضية عديدة ومترابطة، وهو يقترن بظروف تاريخية وسياسية وجيوسياسية واقتصادية واجتماعية محددة يمكن ان يظهر فيها التقنين العقائدي والإيديولوجيات المتطرفة، ويمكن ان تشمل الأسباب الجذرية للتطرف ايضا قبول وتطبيع التفاوتات الاجتماعية، ورفض التسامح، ومشاكل الصحة النفسية، والجاليات والمجموعات المنفصلة، ولكن من المهم أدراك أن دوافع التطرف تتجاوز المفاهيم السطحية المتمثلة في الأفراد المحرومين في حقوقهم والمنفصلين عن محيطهم، ولاسيما في سياق الشباب، مع التسليم أن التطرف مستوحى من مجموعة متنوعة من الأيديولوجيات اكثر مما كان يفترض في الماضي، مما يؤدي الى تفاقم التحديات التي تواجه المؤسسات الحكومية برامج الوقاية المحلية، ما يستوجب استيعاب آلية التحول نحو التطرف المؤدي الى الارهاب .
ومن هذا المنطلق اعتمد الباحثون في تحليل ظاهرة غرس التطرف وصناعة الإرهاب على عدد من التفسيرات، تختلف في درجة عمقها ومنظورتها، فبعضها يسير في اتجاه إعطاء الأولوية للبنيات والبيئة السياسية المساعد على تنامي الأفكار المتطرفة، والدور الذي تؤديه البيئة النفسية والإحساس بالمظالم في جعل الفرد قابلا للتحول نحو التطرف العنيف، وهناك تفسيرات أخرى تركز على مراحل ومسارات التطرف، بحسبانها سلسلة أو حلقات مترابطة، وفي هذه الدراسة ستركز على آلية الانتقال من الفكر (التطرف)
إلى الفعل (الإرهاب)، عبر إستراتيجية افتراضية لعمل التنظيمات الإرهابية.
ونظراً لحجم المخاطر التي ينتجها التطرف على المنظومة الأمنية الحاضنة للتعياش السلمي في الدولة، تأتي هذه الدراسة لتفكيك إشكالية التطرف في العراق بعد العام ٢٠٠٥ وصولاً إلى العام ٢٠٢٢ وإبراز تأثيراتها على الأوضاع الثقافية العراقية وبنية الأمن، إذ تركت التنظيمات المتطرفة حالة من التفسخ والانحلال في المجتمع العراقي، فضلاً عن تركات تمثلت بالصراعات الحادة خرجت عن حدود الطبيعي والمألوف، وباتت تهدد ليس فقط حالة الاستقرار الثقافي، بين أفكار وقيم متباينة بين المجموعات الاجتماعية المتنوعة وحوامل أنساقها الثقافية بمختلف مشاربها .
وقسمت الأطروحة إلى أربعة فصول وهي :
الفصل الاول :الاطارة النظري للدراسة .
الفصل الثاني : واقع التطرف والتعايش السلمي في العراق من منظور امني معاصر
الفصل الثالث : معالجات ظاهرة التطرف وإشكاليات التعايش السلمي ومستقبلها في العراق
الفصل الرابع : الإطار الميداني للدراسة .


 

© جميع حقوق النشر محفوظة لدار الكتب والوثائق 2006