202العدد (163) - حزيران - 2024

اتصل بنا   

الارشيف   

اسرة المجلة

الصفحة الرئيسية                                                     

اهلا  وسهلا  بكم في مجلة  روافد  ثقافية  الالكترونية الصادرة عن دار الكتب و الوثائق

العراق في زمن الغاليان
مجموعة باحثين ترجمة نصر محمد علي وفيصل عبد اللطيف
بغداد – مكتب عدنان – 2024 .
229 صفحة


 
 


         الكرة الأرضية والجنس البشري عُرضةً لتحدياتٍ وتهديدات وجودية مهولة وغير مسبوقة.لكن تأثيرات التغير المناخي وتداعياته حول العالم تتباين من حيث حدَّتُها وقسوتها من نطاق جغرافي إلى آخر ومن بلد إلى بلد وإن كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين أكثر مناطق العالم اكتواءً بالتغيرات البيئية، بحكم وقوعها في رقعة جغرافية شبه قاحلة وجافة، فالعراق اليوم على وجه التحديد يحتل المرتبة الخامسة ضمن أكثر دول العالم تضرراً بتأثيرات التغير المُناخي، ويدخل ضمن أحر البقع على مستوى العالم.
إنَّ اعتماد العراق وغيره من دول المنطقة على اقتصاديَّاتٍ ترتكز على بيع منتجات الكاربون يجعلها من أكثر دول العالم تضرُّراً من ناحية الانبعاثات الغازية قياساً بعدد سكانها، ذلك أنَّ أزمة التغير المُناخي في العراق لم تعد حدثاً مستقبلياً يُتوقع أن يعيشه العراق في السنوات القادمة، بقدر ما هي واقع معاش ، بدأ العراق يعيش لظاها ويكتوي بنيرانها، فالتقارير الدوليَّة الصادرة عن الأمم المتحدة والوكالات الدولية المختصة والمؤثرات البيئية المختلفة ترسم صورةً قاتمة للواقع البيئي والمُناخي في العراق، وتُحذر من عواقب هذا الأمر وتداعياته خلال السنوات القليلة القادمة.
إنَّ الواقع المُناخي والبيئي المتدهور في العراق يُفاقم ويتداخل ويغذي مشاكل بنيوية وسياسية واجتماعيَّةً وأمنيَّةً واقتصاديَّةً يعاني منها العراق في الأساس منذ عقود طويلة.فعلى صعيد الأمن المائي في البلاد، تُشير التقارير إلى أن العراق أصبح واحداً من بين أعلى عشرين دولة من ناحية ندرة المياه. إذ أسهمت الظروف البيئية القاسية خلال السنوات الماضية، من حيث الانحسارُ في نسبة تساقط الأمطار والارتفاع في درجات الحرارة في تراجع احتياطيات البلاد من المياه. ومع حلول العام 2050، يُتوقع أن تتناقص معدلات تساقط الأمطار في البلاد بمعدل 9 بالمائة. من جانب أخر، تسجل درجات الحرارة في العراق ارتفاعاً بمعدل أعلى سبع مرات من المعدل العالمي، وهذه المعدلات يُتوقع لها أن تزداد سوءاً مع مرور الوقت. فعدد الأيام التي ستصل فيها درجة الحرارة إلى 48.8 مئوية سيزداد من حوالي أربعة عشر يوماً سنوياً إلى أكثر من أربعين يوماً خلال العقدين القادمين من ناحية أخرى تُسهم درجات الحرارة المرتفعة هذه في زيادة معدلات التبخّر، الذي يؤدي بدوره إلى خسارة ما يُقدَّر بنحو 8 إلى 12 مليار متر مكعب سنوياً من المياه السطحية.
ويزيد من سوء الواقع المائي في العراق التناقص في التدفقات المائية القادمة من تركيا وإيران، إذ تُسهم السدود والخزانات التي تُنشئها هذه الدول على منابع وروافد نهري دجلة والفرات في تراجع حصة العراق المائيَّة. فالمياه المتدفّقة إلى العراق بنسبة 50 في المائة تقريباً في نهر الفرات، وبنحو الثلث في نهر دجلة، منذ بناء السدود الكبرى في السبعينيات من القرن الماضي، وفقاً لإحصاءات وزارة الموارد المائية العراقية.
في عام 2019، قدر البنك الدولي بأنَّ الفجوة بين الطلب على المياه في العراق والكميات الواصلة إليه منها ستزداد من خمسة مليارات متر مكعب إلى أحد عشر مليارمتر مكعب مع حلول العام 2035. بالإضافة إلى ذلك، يفقد العراق قدراً كبيراً من كميات المياه الواردة إليه بسبب سوء إدارة المياه، وتقادم البنى التحتية ووسائل الري. كما أن للأنشطة البشرية الجائرة المتمثلة بإنشاء أحواض الأسماك الصناعية وحفر الآلاف من الآبار الارتوازية أثراً مباشراً في تدمير المسطحات المائيَّة وانخفاض مناسيب المياه الجوفية.
يتسبب التراجع في مناسيب المياه وقلة الأمطار والجفاف وارتفاع درجات الحرارة بزيادة الجفاف وتصحر وبوار الأراضي الزراعية وتهديد المحاصيل وموت الثروات الحيوانية ففي العام 2022 وحده تعرضت حوالي 39 بالمائة من الأرض الصالحة للزراعة في العراق إلى خطر التصحر، ولا تزال 54 بالمائة من هذه الأراضي الآن واقعة تحت خطر التصحر. وتجتاح رمال الصحراء العشرات من الأفدنة الصالحة للزراعة سنوياً.
يتسبب التصحر في خفض مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية ومداخيل الفلاحين وأسرهم وارتفاع في أسعار المواد الغذائية. هذا التذبذب في إنتاج المحاصيل والتباين السنوي في العوائد التي تجنيها الأسر الزراعية يهدّد الأمن الغذائي العراقي بشكل عام، ويُجبر البلاد على تعويض خسائرها في ميدان المحاصيل والمواد الغذائية عن طريق الاستيراد وشراء المنتجات الغذائية من خارجة .