نقل وغرس الأعضاء البشرية بين الطب
والشريعة والقانون
د. محمد عبد القادر سليمان الراوي
ديالى – المطبعة المركزية - 2024
681 صفحة
شهد القرن العشرين قفزة هائلة في مجال
الطب، لاسيما في الأساليب الطبية
الحديثة، ومن اهم هذه الانجازات ما
يتعلق بحياة الانسان ،وصحته، وما يميز
هذا الانجاز تجاوزه الاعمال التقليدية
في الطب، بظهور
وسائل فنية أكثر
فعالية في اكتشاف الحالات الطبية
وعلاجها أو الوقاية منها، حتى أن
الطبيب يعجز عن ملاحقة هذا التطور
واستيعابه
وتعد عمليات نقل وغرس الاعضاء البشرية نقلة هامة في هذا المجال
بعد ان
تخطت مرحلة التجارب الطبية ودخولها
نطاق العلاج الطبي للحالات التي لا
يمكن علاجها إلا باستبدال العضو التالف لدى المريض بعضو سليم مستأصل من جسم انسان،
خاصة بعد اكتشاف العقار
(سيكلوسبورين Cyclosporine
وهو دواء يساعد العضو المراد غرسه
البقاء في جسم المريض ويثبط الجهاز
المناعي لجسمه، فكان له الفضل الكبير
في القضاء على الكثير من الأمراض،
ومحققاً امل البقاء
على قيد الحياة
لملايين المرضى على مستوى العالم.
ولاشك أن هذه العمليات هي واحدة من
أكثر انجازات الطب الحديث أعجازاً،
فغرس
الاعضاء غالباً ما يكون الحل الوحيد والاخير في المراحل المتقدمة من
الفشل العضوي كما في امراض القلب
والكبد
والكلى المزمنة، ولكن هذه
العمليات تصطدم بمبدأ الحق في سلامة
الجسم الذي مفاده ان يحتفظ جسم
الانسان بتكامله المادي، وألا تصاب
اعضاءه بالخلل الذي يحول دون اداءها
وظائفها الحيوية،
فكان لابد من وجود
موازنة بين مصلحتين مصلحة الانسان في
الاحتفاظ بكيانه الجسدي سليماً ومعافى
وعدم المساس به فالإنسان لا يستطيع أن
يؤدي وظيفته تجاه نفسه واتجاه مجتمعه
إلا اذا
كان متمتعاً بجسم قوي واعضاء
سليمة، فلا قيمة للجسم في ذاته إلا من خلال قدرة اعضاءه على اداء وظائفها عامة، وهذا حق شخصي نصت تشريعات
كل لدول على حمايته من الاعتداءات
التي تقع
عليه، وتسعى الى المزيد من
الحماية في مواجهة أي اعتداء على
الجسد الإنساني، فقد نصت المادة (٥)
من الاعلان العالمي لحقوق الانسان
على: (لا يجوز اخضاع أحد للتعذيب ولا
للمعاملة أو
العقوبة القاسية او
اللاإنسانية أو الإحاطة من كرامته.
كما أن المادة (٣٥/اولا ج) من الدستور
العراقي لسنة ۲۰۰۵ على (يحرم جميع
انواع التعذيب النفسي والجسدي
والمعاملة غير الانسانية ، ولا
عبرة باي اعتراف أنتزع بالإكراه او التهديد
او التعذيب...).
ومصلحة
الانسان ذاته في الاستفادة من تقدم
العلوم الطبية من جهة اخرى للحصول على
علاج الامراض التي يصاب بها أو
التخفيف من
الأمه بعد عجز الوسائل
التقليدية عن تحقيق ذلك.
فهي تعتبر استشفاء من مبدأ الحق في
سلامة الجسم من جهة، ووسيلة من المساس
وسائل حمايته ، فهي استثناء من المبدأ على اساس ان هذا الأخير يمنع
بجسم الانسان الا بنص القانون، وتعتبر
الاعمال الطبية عامة وغرس الاعضاء او
التلقيح الصناعي خاصة من الاعمال التي
يرخص بها القانون بشرط ان يكون الهدف
منها ،علاجي وهي وسيلة لحماية المبدأ
على اساس ان هذه العمليات
كانت السبب
في شفاء الكثر من المرضى.
فقد تغير مفهوم مبدأ حرمة الكيان الجسدي للإنسان من كونه مبدأ حظر كل
اشكال المساس بالكيان المادي للإنسان
طالما كان ذلك برضا صاحب الحق
وموافقته الصريحة، اضافة الى وجوب
تحقق
الغرض العلاجي من عملية الاقتطاع
وهو شفاء المريض (المتلقي) وانقاذ
حياته، وعلى هذا الأساس يجوز التعامل
في جزء من جسم الانسان بالشكل الذي لا
يهدد سلامته البدنية وحقه في الحياة،
فالقانون سمح التعامل بالأعضاء
البشرية بألا يتعارض مع القيمة
الإنسانية والكرامة، وبما يوافق حرمة
جسم الانسان، ويعتبر التشريع الفرنسي
أول من أهتم بتكريس مبدأ حرمة جسم
الانسان من
خلال اصداره القانون رقم
(٦٥٣) لسنة ١٩٩٤م المعدل للقانون
المدني .
وقسم الكتاب الى عدة فصول وهي:
الفصل الأول: مفهوم عمليات نقل وغرس
الأعضاء البشرية .
الفصل الثاني: أساس اباحة عمليات نقل
وغرس الأعضاء البشرية .
الفصل الثالث: شروط مشروعية نقل وغرس
الأعضاء البشرية بين الأحياء .
الفصل الرابع: الشروط القانونية
لإجراء عمليات نقل وغرس الأعضاء
البشرية من جثث الموتى . |