القيم الدينية والنظام السياسي في
المملكة العربية السعودية والجمهورية
الإسلامية الإيرانية (دراسة مقارنة)
علي عزيز محمد
كلية العلوم السياسية – جامعة النهرين
– اطروحة دكتوراه – 2024
330 صفحة

سعى
الانسان على مر العصور للعيش ضمن
جماعات للتعاون في تامين متطلبات
الحياة، الأمر الذي نتج عنه علاقات
ومصالح مشتركة بين أفراد هذه الجماعات
البشرية ، وبما أن الجماعة في تكوينها
تحتاج إلى قواعد
تحكمها وتنتظم للعيش في ظلها،
فظهرت أولى القوانين الفطرية ألا وهي
(القيم)، وهي تعبر عن البناء الشخصي
الذي ينشأ في داخل الإنسان، وفي حياته
وتجاربه الحياتية التي مّر بها و
خاضها، و التي نشأ منها داخله تلك
القواعد الحاكمة لشخصيته و
أسلوبه، أو تلك المجموعة من الأحكام
العقلية التي تقوم بالعمل على توجيه
المجتمع نحو رغباتنا ، و اتجاهاتنا،
وهي تعمل على تحريك سلوكياته، بعد
انصهار المبادئ و التجارب الخاصة به
والمفاهيم
التي انتقلت إليه من المحيطين به.
بمعنى أن الفرد أينما كان موقعه لابد
أن يقع اتصال مباشر بين قيمه وقيم
البيئة التي ينتمي إليها، بل هو يمثل
المجتمع الذي نشأ فيه بسلوكيات تستند
إلى منظومة قيمية بما يتضمنه المجتمع
من رؤى
ومبادئ.
جاءت الأديان لتضع مفاهيمها الخاصة
بالعلاقات الاجتماعية، وتضع الأسس
والقيم (المقدسة) لتكون ركيزة أساسية
يرتكز عليها أتباع الأديان والمؤمنون
بها لضمان سير حياتهم، وتستند اليها
كل معاملات الانسان مع خالقه ومع
الآخرين،
فظهر مفهوم القيم الدينية، حيث لعبت
القيم الدينية دوراً كبيراً في تحديد
الحاكمين والسلطة، والنظام السياسي
لأتباعها. لأن من أهم خواص الدين هي
الشمولية، والتي تعني إيجابية الدين
في الحياة، وأنه ليس من طبيعة الدين
أن ينفصل
عن الدنيا وليس من طبيعته أن ينحصر في
المشاعر الوجدانية والأخلاقيات
التهذيبية والشعائر التعبدية وفي ركن
ضيق من اركان الحياة البشرية، وليس من
طبيعة (الدين) أن يقتصر على تنظيم
قطاع ضيق او سلبي، ثم يسلم سائر
قطاعات الحياة العملية الواقعية
لتدبير بشر يضعون القواعد، والأنظمة
والأوضاع، والقوانين والتشكيلات على
أهوائهم، دون الرجوع إلى الله. وليس
من طبيعة (الدين) أن يشرع طريقاً
آخراً للحياة الأخرى دون أن يمر
بالحياة الدنيا عن طريق
العمل في الأرض.
ومع تطور واتساع الجماعة البشرية
أصبحت وجود السلطة امراَ ضرورياَ، من
أجل قيادة الجماعة البشرية، والقدرة
على اصدار الأوامر والزام الأفراد
باتباعها وتنفيذها، وعلى مدى تطور
الفكر السياسي، ومنذ تأسيس الحضارات
القديمة،
الغربية والشرقية وحتى العصور
الوسطى، فأن العلاقة بين السلطة
والدين اتسمت بالتداخل بل وبالتماهي.
ففي العصور الوسطى عملت الكنيسة على
تكريس الدين والدنيا، من خلال
معتقداتها ، فلقد سيطرت الكنيسة على
ملكيات أوروبا، وراحت تنازعها في
ملكها. اضطرب حينها مفهوم الدولة،
وراح النظام السياسي يتأرجح ما بين
السلطة
الروحية والسلطة الدينية،
واستمر ذلك إلى أن حسمت الثورات
الفرنسية والبريطانية مدنية الدولة في
مفهومها الحديث، وهو القائم على أسس
الأرض والشعب والسيادة. وانتهت
إشكالية العلاقة بين الدين والسياسية
، وحصل توافق واجماع
في الدول الغربية على علاقة الدين
والسياسية، المبينة على الفصل بينهما.
غير ان الدول (الإسلامية والعربية)
الحديثة، ظلت تدور في فلك الصراع حول
هوية الدولة وايديولوجيتها، وظهرت
تيارات وقوى سياسية مختلفة تحمل
افكاراَ متباينة، وتعمل كل منها
للانتصار لأفكارها وبناء الدولة بهوية
معينة، ما بين
الإسلامية والليبرالية. ففي الوقت
الذي تتفق عليه مختلف المدارس
الإسلامية على أن اهداف القيم الدينية
كلها من الكمالات النموذجية التي تكفل
العدالة وفتح الفرص امام الجميع
وازالة الاستبداد البشري وربوبية بعض
البشر لبعض،
فهي لا تسمح بإلغاء دور فرد من
الأفراد، ولا حذف مشاركة، ولا تكميم
صوته، فضلا عن جميع الامة. فالقيم
الدينية، بمراتبها المتسلسلة لا تعدم
الارادة الشعبية والاختيار البشري، بل
هي ترشده وتهديه الى السبيل السوي
والصراط القويم.
غير أن هذه المدارس تختلف
بالآلية أو الكيفية التي يمنح فردا او
هيأة حق الحكم وادارة شؤون البلاد
والعباد. هذا التباين انعكس على مواقف
المدارس الدينية والمذاهب الإسلامية ،
وبالتالي انعكس على واقع تأسيس النظم
السياسية في
المملكة العربية السعودية،
والجمهورية الإسلامية الايرانية .
ويعد النظامين من أهم أنظمة الدول في
التاريخ المعاصر التي اعتمدت القيم
الدينية في تأسيس أنظمتها، واعطيت
المؤسسة الدينية في كلا النظامين
أهمية بالغة. وعليه سعينا
للبحث في موضوع القيم الدينية
والنظام السياسي في المملكة العربية
السعودية، والجمهورية الإسلامية
الإيرانية، بدراسة النظامين والمقارنة
بينهما.
|