لسانيات
تشومسكي في التلقي العراقي
أ.د. علي تقي عبد البلداوي
الموصل – دار ماشكي – 2025
224 صفحة

فالعلم لا هوية له، وهذا
نابع من طبيعته، لا من طبيعة من
يمارسه، إذ لو كان الأمر غير ذلك، لما
أمكن للعلم تجاوز حدود المكان المخصوص
بوعي الجماعة التي تقطنه، فما يُوصف
أنه علم بانطباق شروط
العلم عليه، لا يمكنه أن يكون غير
ذلك باختلاف الأمكنة والجماعات
والثقافات... وإن لسانيات تشومسكي
ممثلة بالتوليدية التحويلية بوصفها
نظرية علمية، قد أثبتت جدارتها في
مرحلة ما من تاريخ العلم على الرغم
من كونها تُعنى باللغة، فاللغة
ميدان صعب عوائق الممارسة العلمية فيه
كثيرة، فلا تكاد تذكر (اللغة) إلا
واستدعى الذهن العقبة الأبرز في وجه
الممارسة العلمية، أعني هنا الخصوصية
والأثرة التي يفرضها وقع هذه
الكلمة في نفس هذا الشخص أو ذاك
المنتمي لهذا اللسان أو غيره، ذلك أن
اللغة وثيقة الصلة إلى حد كبير جدا
بصياغة هوية هذه الجماعة أو تلك، فعلى
أساسها يُصنف هذا الشخص أو ذاك بأنه
عربي مثلا
أو غير ذلك. فكيف ستكون دراسة
اللغة علمية والحال هذه؟ وبمعالجة
تشومسكي لهذا الإشكال وغيره استحقت
نظريته اللسانية أن توصف بأنها الثورة
اللسانية الثانية، إذ تجاوزت الكلام
بوصفه معطى من معطيات
ما يسمى اللغة إلى اللغة
نفسها بوصفها خصيصة بشرية ومعطى ذهنيا
لا يختلف فيه البشر، ولكن هذا لا يعني
أن المشكلات قد انتهت بل ظهرت مشكلات
أخرى حركت الأوساط اللسانية، وأثرت
النقاش في هذا
الميدان متجاوزة الحدود
المتنوعة.
ويعد العراق من أوائل البلدان العربية
التي رفدت حقل اللسانيات في الوطن
العربي بترجمات قيمة، وقد كان لكتب
تشومسكي رائد النظرية التوليدية
التحويلية نصيب منها مما فتح الباب
للتعاطي مع هذا الوافد الجديد
على الدراسات اللغوية العربية، وقد
حظيت لسانيات تشومسكي التوليدية بشيء
من العناية، وصارت تدرس في الرسائل
والأطاريح من لدن الباحثين العراقيين
في الدراسات العليا، حتى بلغت عددًا
صار يمكن معه أن تُفرد
لها دراسة خاصة. تستجلي مضامينها
وأطروحاتها، وتقف على مدى استيعابها
لنظرية تشومسكي.
وكيف تلقتها ووظفتها في السياق العربي
وذلك في محاولة لأجل الخروج برؤى
نقدية عليا تصحح مسارًا، أو تقوم
معوجا، أو تثير تساؤلا يمكنه أن ينتج
نقاشا متمرا، فلا شيء ينهض بهذه
الأعباء كالنقد، ولهذا وجدت
دراستنا
مسوغاتها للضلوع بهذه المهمة.
ولأن الرسائل والأطاريح العراقية
منجزة في وسط أكاديمي له شروطه
وضوابطه العلمية، وصادرة عن وعي منهجي
تفرضه الأصول الأكاديمية، فإن هذا
يجعل من الممارسة النقدية على هذه
الرسائل والأطاريح أكثر
جدوى،
وأقرب إلى الانضباط، وأبعد عن التشتت
وأود الإشارة هنا إلى أن فكرة هذه
الدراسة أول الأمر، لم تكن لتختص
بالرسائل والأطاريح العراقية، لولا
نصيحة الأستاذ الدكتور أمين لقمان
الحبار، التي بدت لي وأنا
أتلقفها
منه أنها صادرة عن هم معرفي، لا بحمله
سوى من خبر هذا الميدان، وعرف واقع
الممارسة العلمية فيه عند الباحثين
العراقيين في رسائلهم وأطاريحهم. ذلك
الهم المعرفي الذي لم أقف على أسبابه،
إلا حين
أنجزت هذه الدراسة، لأجد نفسي في
ختامها أني أشاركه الهم ذاته، فشكرا
جزيلا له.
ويرى الكاتب لكي تكون الدراسة ملمة
إلماما منضبطاً ودقيقا بالمادة التي
تنهض عليها نقدًا، وقع اختياره على
الرسائل والأطاريح الجامعية في
العراق، منذ أول رسالة أنجزت سنة
(1994) إلى سنة (2022)، وحصرناها
بتلك المنجزة في أقسام اللغة العربية،
مع شرط أن تكون الرسالة أو الأطروحة
مختصة بنظرية تشومسكي اللسانية
التوليدية التحويلية)، فضلا عن تضمن
عنوانها ما يشير إلى النظرية بشكل
صريح، أو أنه يتضمن
مصطلحا
من مصطلحاتها الخاصة. فهناك دراسات
تناولت النظرية ووظفتها من دون أن
يتضمن عنوانها ما يشير إلى النظرية،
فضلا عن تلك التي تناولت النظرية في
فصل من فصولها فحسب، فهذا النوع لم
ندخله
ضمن
مادتنا خشية من أن تسقط ما ليس لنا
علم بوجوده، ورأينا أن الثماني عشرة
دراسة التي أحصيناها في الجامعات
العراقية كافية لإقامة دراستنا.
وتوزعت هذه الدراسات على عشر رسائل
ماجستير وثماني أطاريح
دكتوراه،
أربع منها في جامعة بغداد، وثلاث في
الجامعة المستنصرية، ومثلها في جامعة
الموصل.
قسم الكتاب الى عدة فصول وهي :
الفصل الاول: الأسس الابستمولوجية
للتوليدية التجويلية .
الفصل الثاني : ملامح التوليدية
التحويلية .
الفصل الثالث : طبيعة الممارسة
العلمية . |